التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الشمال السوري على صفيح ساخن 

يقبل الشمال السوري على تطورات وأحداث جديدة تتزايد بوادرها يوما بعد يوم. وبينما أطلقت الحكومة التركية في الأيام والأسابيع الأخيرة إشارات حول الاستعداد لتغيير نهج العداء مع الحكومة السورية وبدء المفاوضات مع دمشق، نفذ الجيش التركي عمليات في اليومين الماضيين، وأظهرت أنقرة من خلال ذلك أنها تسعى إلى إحراز بعض التقدم في الأراضي السورية على الرغم من المعارضة الشديدة من قبل أطراف أستانا وتهديدات الحكومة السورية.

حيث أعلن موقع “باس نيوز” الكردي، الجمعة الماضية ، مقتل العشرات من عناصر وقادة قوات سوريا الديمقراطية في هجمات بطائرات مسيرة في الأسبوعين الماضيين.

كما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الهجمات على مواقع قوات سوريا الديمقراطية قد تصاعدت في الأسابيع الأخيرة.

كما قالت مصادر محلية لمراسلي سانا في الحسكة والرقة إن القوات التركية حذرت المواطنين عبر مكبرات الصوت في مساجد البلدات الحدودية حول مدينة جرابلس بريف حلب وطالبتهم بالبقاء في منازلهم تمهيدا لبدء هجوم تركي على الأراضي السورية.

وتزامن هذا التحذير من الجيش التركي مع تحليق واسع للطائرات المسيرة التركية في أجواء المدن الحدودية ، فضلاً عن حشود كبيرة للقوات التركية في معظم المناطق الحدودية في الحسكة والرقة وحلب.

وتأتي هذه العمليات العسكرية في وقت دعا فيه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم الثلاثاء الماضي إلى إجراء محادثات بين المعارضة المسلحة ودمشق، وقال: “يجب على جميع الأطراف الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب في سوريا”.

مقامرة أردوغان في سوريا

بعد مرور قرابة شهرين على إعلان أردوغان عن عملية عسكرية في شمال سوريا، من الواضح أن أنقرة لا تزال تعاني من الارتباك التكتيكي وسوء إدارة البيانات الحكومية المتناقضة، وعدم القدرة على وضع استراتيجيات وخطط فعالة لإقناع أطراف أستانا بالتماهي مع طموحاتها التوسعية في سوريا.

لذلك يبحث أردوغان عن طريقة لصرف الرأي العام عن المشاكل الاقتصادية الداخلية من خلال مغامرة جديدة في سوريا وتحقيق إنجازات لمواجهة المعارضة في انتخابات 2030. حيث يمكن أن تساعد عودة ثلاثة ملايين ونصف من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا إلى بلادهم في تخفيف عبء التكاليف الاقتصادية على الحكومة ودفع الخطة الأمنية لإنشاء منطقة عازلة بطول 30 كيلومترًا مع الأكراد السوريين من خلال توطين هؤلاء اللاجئين في مناطق تحت سيطرة المعارضة المدعومة من أنقرة.

ويقدر مراد يشيلطاش المحلل في مركز سيتا، وهو مركز تركي تربطه علاقات وثيقة بأردوغان وحكومته أن التدخل في سوريا يكلف أنقرة حوالي ملياري دولار سنويًا. وحسب هذا المحلل لدى تركيا ما بين 4000 و 5000 جندي في المناطق الخاضعة لسيطرتها وحوالي 8000 جندي حول إدلب.

ومن ناحية أخرى ، فإن التحديات التي يواجهها أردوغان، وهي ليست قليلة، جعلت منه يرى من الضرورة القيام بمناورة سياسية في مواجهة المعارضة وحكومة دمشق.

وبعد وتيرة انتصارات الحكومة السورية على الإرهابيين وإجراء الانتخابات الرئاسية التي رسخت شرعية النظام، أدركت تركيا الآن أنه لم يعد من الممكن استخدام المعارضة المسلحة كأداة لإضعاف النظام السوري وإسقاطه. ولكن لا بد من البحث عن طريقة لإيصال المعارضة إلى طاولة التفاوض مع الحكومة والاستفادة من هذا الوضع لمواجهة الأكراد. وخاصة أن الانقسام والفشل والصراع الداخلي بين الإرهابيين في إدلب أضعفها كثيرا.

حيث أدى الصراع الأخير بين هيئة تحرير الشام وخصومها، وخاصة جبهة التحرير الوطني ، إلى زيادة إصرار أنقرة على تبني سياسات حل ودمج الإرهابيين بطريقة جديدة تقضي على تعددية هذه الفصائل والالتفاف على التصنيف الدولي لهيئة تحرير الشام كجماعة ارهابية.

كما لا ينبغي أن ننسى أنه في الأشهر الأخيرة، ازداد غضب واستياء أهالي إدلب وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين في مناطق عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون بسبب الانتهاكات وتراجع الخدمات وتدهور الأوضاع وارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وانعدام الأمن وترديد الشعارات ضد الاحتلال التركي.

كما أضيفت المعارضة إلى مجموعة المنادين ضد تركيا، وذلك بعد المواقف الأخيرة لوزير الخارجية التركي بشأن العلاقات مع دمشق، حيث اطلقت شعارات ضد تركيا في التظاهرات التي شهدتها مناطق شمال سوريا والتي شملت مدنًا مثل إعزاز وعفرين وجرابلس وإدلب.

كما أثرت مطالبة معظم معارضي أردوغان، في الداخل التركي إعادة العلاقات مع دمشق وتسريع عملية إعادة اللاجئين إلى ديارهم، على سياسات الحكومة التركية.

لكن، تُظهر تحركات الحكومة التركية وأردوغان أن أنقرة لا تتطلع إلى اختيار أحد المسارين الإلزاميين الحاليين للنجاة من المشاكل، بل تبحث في اتخاذ كلا السياستين في نفس الوقت، وهو ما سيكون أشبه بالمقامرة التي ستزيد من فشل سياسات أردوغان في سوريا بدلا من اصلاحها.

لعبة تركيا الخطيرة

قال أردوغان للبرلمانيين في يونيو إنه يخطط “لمرحلة جديدة” من تنفيذ خطة لإنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومترًا داخل سوريا لطرد المسلحين الأكراد من منبج وتل رفعت.

وقال: “سنطهر تل رفعت ومنبج من الإرهابيين، وسنفعل الشيء نفسه مع المناطق الأخرى خطوة بخطوة”. إلا أن نتائج اجتماع أستانا والتحركات الميدانية للحكومة السورية والجيش الروسي تشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق أردوغان لهذا الوعد.

أما عن احتمال قطع الطريق الدولي M5 في هذه العملية ، فهذا من شأنه أن يضع أنقرة والجماعات الإرهابية التي تدعمها في مواجهة القوات الروسية ، حيث وضعت موسكو هذه الطرق تحت سيطرتها ففي حال قطعها لن تسكت.

يذكر أنه في الجولة السادسة من “محادثات أستانا” في أيلول 2017 ، تم ترسيم حدود مناطق “خفض التصعيد” التي شملت محافظة إدلب وأجزاءا من أطراف حلب وحماة. لذلك ، من الممكن أن تقتصر العملية العسكرية من الغرب على الحدود الإدارية مع محافظة حماة ، أي مساحة تزيد على 20 كيلومترًا مربعًا ، وستنفذ معظم العملية عبر إرهابيي الجيش الحر.

وبالطبع لا يستبعد احتمال نشوب صراع مع الجيش السوري، فضلاً عن تسليم الأكراد المناطق القريبة من جبهة الصراع للجيش السوري. قضية يمكن أن تتحول إلى نيران حرب لا يمكن السيطرة عليها. والآن ما علينا إلا أن ننتظر ونرى ما التغييرات التي ستحدث في الأيام القادمة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق