هل اعتزال مقتدی الصدر العمل السياسي قرار نهائي
مع إعلان مقتدى الصدر اعتزاله عالم السياسة، وبعد ذلك نزول أنصاره الغاضبين إلى الشوارع، وخاصةً عناصر ميليشيات سرايا السلام، مما أدى إلى اشتباكات مع القوات الأمنية، تحققت التحذيرات والمخاوف التي وردت في الأشهر الماضية حول إمكانية خروج الوضع عن السيطرة، واستغلال الأعداء للأوضاع، ووقوع الاضطرابات في العراق؛ وفي الليلة الماضية أودى الصراع السياسي واسع النطاق في الأشهر الأخيرة بأول ضحاياه.
خلال الأشهر الماضية، لم يشهد العراق استقرارًا سياسيًا، ووسط خلافات حادة بين الجماعات السياسية، توقفت عملية تشكيل الحكومة الجديدة منذ عدة أشهر.
ليس من الواضح ما إذا كان قرار الصدر مؤقتًا أم دائمًا، لكن يمكن وصف هذا القرار بأنه زلزال سياسي خلق مشهدًا مربكًا بعد الانتخابات، ليس فقط لمنافسيه من القوى الشيعية، ولكن أيضًا لغالبية القوى السياسية الحاضرة في مجلس النواب، وهذا يجعل الأمر أكثر تعقيداً.
ولا شك أن مخالفة الصدر لمقترحات الجماعات الشيعية الأخرى في تحالف الإطار التنسيقي للانتقال من الأزمة، كانت العقبة الرئيسية أمام نجاح المبادرات المقترحة خلال هذه الفترة.
ومع ذلك، أدت مفاجآت الصدر غير المتوقعة إلى حقيقة أنه حتى بعد أن اختار العزلة الآن، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه العقدة السياسية ستفتح أخيرًا أم أنها ستجعل الوضع أكثر صعوبةً.
هل سيعود مقتدى الصدر؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها مقتدى الصدر اعتزاله عالم السياسة. وبالنظر إلى مواقفه في السنوات الماضية، لا بد من القول إنه منذ عام 2013، هذا هو سابع اعتزال للصدر من الحياة السياسية، إلى جانب إغلاق مكاتب ومؤسسات هذا التيار.
وهناك أيضًا أمثلة أخرى لهذا النوع من القرارات الانتحارية، ومن ثم قلب وجهات النظر رأساً على عقب في سلوك الصدر. حيث قام بحل جيش المهدي عام 2008، لكنه أسس سرايا السلام في يناير 2019، ودعا في بيان إلى إعادة تشكيل جيش المهدي. وفي فترة ما، قرر أن يكرس نفسه للدراسة في مدينة قم والابتعاد عن عالم السياسة، لكنه عاد من هذا القرار.
ربما أصبحت السلوكيات المزدوجة جزءًا من سمة شخصية الصدر. فعلى الرغم من مشاركته في جميع الحكومات التي تشكلت بعد عام 2003، إلا أنه حاول في الوقت نفسه قيادة احتجاجات شعبية ضدها.
إن ملاحظة مثل هذه السابقة في قرارات الصدر دفعت بعض المراقبين السياسيين إلى الاعتقاد بأن مقتدى ربما بات مضطراً ولا يعرف ماذا يفعل. لكن الكثيرين يرون أن ما فعله الصدر كان مناورةً لكسب المزيد من الأصوات، وإثارة حماس الجماهير أكثر.
کما يعتقد معظم المراقبين أن الصدر يستغل تمرد الشارع لمهاجمة العملية السياسية القائمة التي لم تسر وفق رغباته وتوقعاته، حتى يفرض عاجلاً أم آجلاً شروطه على منافسيه.
إن تبني هذا الموقف يعطي الصدر إمكانية أنه إذا نجحت احتجاجات الشوارع في تحقيق الأهداف، فسيعود أيضًا إلى الميدان كبطل، وإذا لم تنجح الاحتجاجات، فسيواصل الانسحاب كبطل لا يقبل التنازل عن الأهداف، وبالتالي يتخذ لنفسه وضعية النصر.
في غضون ذلك، هناك مؤشرات على انسحاب الصدر قريباً من قراره، والسبب في ذلك ربما يكون صرخات أنصاره في الشوارع.
رسالة الصدر في لقاء الحنانة مع أعضاء كتلته المستقيلة في 15 حزيران/يونيو، هي أيضاً جزء من هذه المؤشرات. حيث قال في هذا الاجتماع: “حافظوا على الرجال والنساء علی أهبة الاستعداد، وكونوا جاهزين ولا تنقسموا، واتحدوا سياسياً وعقائدياً وبرلمانيًا وقانونيًا، وتواصلوا مع الشعب العراقي”. وهي تصريحات تشير بوضوح إلى رغبته في المشاركة في الانتخابات مرةً أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أدبيات التيار الصدري ومقترحات قادته بضرورة تعديل الدستور، وتغيير النظام من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، والانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية والمحافظين، هي مطالب لا يمكن متابعتها إلا من خلال اللجوء إلى انتفاضة شعبية واسعة.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إنه إذا لم يقرر الصدر الانسحاب من السياسة، فهو يعدّ نفسه لتنظيم مظاهرات جماهيرية بشكل غير مسبوق، هدفها الضغط من أجل تغييرات جذرية في النظام السياسي بأكمله.
ماذا سيحدث؟
خلال الأشهر الماضية، عندما ألقى الجمود السياسي بظلاله على حالة المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة، اعتُبر عدم انجرار هذه العملية للعنف مطلبًا أقصى ووطنيًا من قبل المجتمع وحتى غالبية المجموعات السياسية الحاضرة في البرلمان.
ومع ذلك، فإن الطبيعة غير المتوقعة لقرارات الصدر ولجوئه إلى مظاهرات في الشوارع من قبل مؤيديه بين حين وآخر، يمنح أعداء الاستقرار السياسي في العراق فرصةً للاصطياد في مياه العراق العکرة هذه الأيام؛ وهي قضية يمكن أن تؤدي إلى استمرار الاضطرابات إذا لم يجد القادة العراقيون، وخاصةً التيار الصدري، الحل المناسب.
ومع ذلك، فإن احتمال تحقيق النصر السياسي على المنافسين عبر الشارع ليس مرجحًا، على الأقل فيما يـتعلق بحل البرلمان خارج إطار العملية القانونية، وهو المطلب الرئيسي للتيار الصدري.
لکن ما زالت السيناريوهات الرئيسية هي إما انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة انتقالية جديدة للعام المقبل يمكن أن يوفر الظروف لانتخابات مبكرة، أو استمرار المأزق السياسي حتى تتوصل المجموعات السياسية إلى صيغة لحل الخلافات في ظل غياب التيار الصدري.
المصدر/ الوقت