الصين والسعودية نحو تعزيز التعاون الثنائي
الصين، التي تخطط في استراتيجيتها الوطنية لتصبح قوةً عظمى عالميةً بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الحكومة الشيوعية في عام 2049، تحاول زيادة نفوذها في جميع مناطق العالم، وخاصةً في الأماكن التي تكون فيها أمريكا نشطةً للغاية.
الصينيون، الذين يستغلون كل فرصة للهجوم على موقع أمريكا وهيمنتها العالمية، اختاروا المشيخات الخليجية هذه المرة لتحقيق أهدافهم.
فقدت الدول العربية، الذين كانوا يعتبرون حلفاءً استراتيجيين لأمريكا منذ عدة عقود، الثقة في هذا البلد على نطاق واسع منذ العام الماضي وبعد هروب الأمريكيين من أفغانستان، وازداد انعدام الثقة هذا بشكل كبير بعد بدء الحرب في أوكرانيا. حيث لم يعد الحكام العرب في الخليج الفارسي يستمعون إلى أسيادهم كما في الماضي، وقد أتاح ذلك فرصةً جيدةً لبكين لاستغلال الانقسام العربي الغربي لمصلحتها الخاصة.
ولهذا الغرض، كتب الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخرًا رسالةً إلى الملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية، والتي تعتبر مهمةً في الوضع الحالي.
على الرغم من عدم تسريب الكثير من تفاصيل مضمون هذه الرسالة، إلا أنه تم التأكيد على العلاقات القوية بين البلدين وسبل دعم وتعزيز هذه العلاقات في مختلف المجالات. وحسب مصادر سعودية، فقد أعلن الرئيس الصيني دعم بلاده لطلب السعودية استضافة معرض إكسبو الدولي 2030 في الرياض.
الاستفادة من النفط السعودي
كُتبت هذه الرسالة في وقت زادت فيه التحركات العسكرية الأمريكية في تايوان من حدة التوترات مع الصين، وتحاول بكين خلق تحدٍّ لمنافستها في الخليج الفارسي.
تعتبر السعودية من الدول المؤثرة في مجال صادرات النفط في العالم، وتعتبر هذه القضية حيويةً بالنسبة للصين التي تعدّ أكبر مستورد للنفط في العالم.
من خلال تطوير علاقاتها مع السعودية، تعتزم الصين زيادة نفوذها في طريق الخليج الفارسي السريع الاستراتيجي، إضافة إلى استخدام موارد الطاقة في هذا البلد لاقتصادها المتنامي.
لذلك، وقعت الصين والسعودية اتفاقية شراكة استراتيجية في عام 2016، تتعلق بالتعاون طويل الأجل في مجال الطاقة المستدامة، ونتيجةً لهذه الاتفاقية، بلغت قيمة التجارة الثنائية بين البلدين 65.2 مليار دولار في عام 2020 و 87.3 مليار دولار في عام 2021، ما يدل على أن هذه العلاقات تزداد كل عام وستكون أكثر من هذا الحجم في المستقبل.
وحسب الإحصائيات المعلنة، فإن الصين هي الشريك التجاري الأول للسعودية، وتصدر السعودية، التي تمثل أكثر من ربع تجارة الدول العربية مع الصين، وهي أكبر شريك تجاري لبكين في غرب آسيا، ما معدله 1.8 مليون برميل من النفط يوميًا إلى الصين.
لذلك، وعلى الرغم من أن أمريكا لها وجود قوي في السعودية منذ عقود، وحتی أنها أقامت قواعد عسكرية في هذا البلد، أي أنها الضامن لأمن السعودية في الخليج الفارسي، ومع ذلك أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للسعودية.
أيضًا، بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الفاشلة إلى السعودية، وقعت أرامكو مذكرة تفاهم مع شركة سينوبك الصينية المملوكة للدولة، للتعاون في مجالات تشمل استخراج الكربون والعمليات الهيدروجينية. وتظهر هذه التطورات أن بكين وجدت الطريق جيدًا لدخول الخليج الفارسي، وتمكنت من تجاوز أمريكا.
من ناحية أخرى، وبسبب النفوذ الكبير للسعودية بين الدول العربية، دعت الصين هذه الدولة لتصبح عضوًا مراقبًا في منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2021، وذلك من أجل جلب السعوديين إلى معسكرها من الناحية الأمنية.
لأن وجود السعودية في هذه المنظمة، إضافة إلى زيادة وزن شنغهاي في المنطقة، يمكن أن يكون أيضًا مقدمةً لانضمام دول عربية أخرى.
بناء التوازن بين إيران والعرب
وقعت الصين، التي تحتاج إلى الموارد النفطية في الخليج الفارسي، عقودًا طويلة الأمد مع الدول العربية، وقامت باستثمارات كبيرة في قطاع الطاقة في هذه الدول، ولا سيما في قطاع الطاقة في الإمارات، والتي تصل قيمتها إلى 22 مليار دولار.
كما وقعت الصين اتفاقيةً اقتصاديةً مدتها 25 عامًا مع إيران، سيرتفع خلالها مستوى التعاون بين البلدين في المجالين التجاري والاقتصادي إلى 400 مليار دولار. لذلك، تحاول الصين توقيع مثل هذه الاتفاقيات طويلة الأمد مع السعودية من أجل إقامة توازن بين إيران والعرب في اتفاقياتهم الاقتصادية، حتى لا يكون هناك رد فعل من المشيخات الخليجية على الاتفاقية مع طهران.
تأتي رسالة شي جين بينغ إلى الملك سلمان، في حين أعلنت بعض المصادر السعودية في الأسابيع الأخيرة عن زيارة وشيكة للرئيس الصيني إلى الرياض. وهذه الزيارة المحتملة مهمة للغاية في ظل احتدام التوترات بين بكين وواشنطن.
كتبت مجلة بوليتيكو عن هذه الزيارة بأن زيارة شي إلى الرياض، كأول رحلة خارجية له بعد الحجر الصحي لمدة عامين، ليست فقط دليلًا جديدًا على قوة الصين العالمية المتنامية، فهي تسمح أيضًا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإظهار لواشنطن أن الولايات المتحدة لديها منافس جاد كقوة عظمى تدعم الرياض.
وبالنظر إلى أن رسالة الرئيس الصيني أكدت أن هذه الدولة ستشارك في معرض إكسبو 2030 السعودي، وهو أحد مشاريع ابن سلمان الطموحة، فإن هذا الموضوع يمكن أن يعزز التفاعل بين البلدين في السنوات المقبلة.
الصين التي تستغل كل فرصة دولية لتظهر للعالم إنجازاتها المحلية، شاركت العام الماضي في معرض إكسبو 2020 دبي في الإمارات، حيث عرضت إنجازات الصين في مجالات الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والنقل الحديث والذكاء الاصطناعي والحياة الذكية والثقافة والعادات. لذلك، تخطط بكين لتكرار هذه التجربة في معرض إكسبو السعودي العالمي.
النقطة المهمة الأخرى في الاستراتيجية الصينية لتعزيز العلاقات مع السعوديين، تتعلق أيضًا بمسألة طريق الحرير الصيني.
تتكون خطة الصين الجديدة التي تحمل عنوان “حزام واحد، طريق واحد” من ثلاثة مسارات، يمتد جزء منها من آسيا الوسطى إلى إيران والخليج الفارسي، وكذلك تركيا والبحر الأبيض المتوسط. والسعودية مهمة جدا للصينيين لما لها من مكانة في مجال الطاقة، وبما أن هذه الخطة مفيدة اقتصاديًا لجميع الدول، فإن السعوديين سيرحبون بها أيضًا إذا تم تنفيذ هذه الخطة.
ماذا تريد السعودية من الصين؟
إضافة إلى الصين، التي لديها أهداف اقتصادية وأمنية من الاقتراب من السعودية، فإن هذه التفاعلات الثنائية مهمة أيضًا للسعوديين، الذين يسعون لتحقيق أهدافهم أيضًا.
تحاول السلطات السعودية التي أدركت ضعف وانحسار أمريكا في العالم في السنوات الأخيرة، وخاصةً في العام الماضي، الانتباه إلى القوى العالمية الناشئة في شرق آسيا.
ولأنه وفقًا للتقارير العالمية، ستصبح الصين والهند أكبر عمالقة اقتصاديين في العالم في العقد المقبل، وستحتاجان إلى موارد الطاقة من أجل تنميتهما الاقتصادية، لذلك، من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول الآسيوية، تحاول السعودية الاستيلاء على سوق الطاقة وكسب الكثير من الدخل من هذا الطريق.
من ناحية أخرى، فإن السعوديين الذين لم يعودوا يثقون في دعم الولايات المتحدة لهم في الأوقات الحرجة، بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان، يريدون الحصول على دعم عسكري من الصين والهند في المستقبل من خلال زيادة التعاون.
والنقطة المهمة الأخرى هي أن السعودية، التي لديها منافسة شديدة مع إيران في الخليج الفارسي، تحاول إبرام عقود طويلة الأجل مع الصين، مثل تلك الموقعة بين طهران وبكين، حتى لا تتخلف عن القافلة التجارية الصينية.
إضافة إلى ذلك، حاولت السعودية، وهي أكبر مشتر للأسلحة في العالم، إنتاج جزء من الأسلحة التي تحتاجها محليًا في السنوات الأخيرة من أجل تقليل التكاليف العسكرية، ولهذا الغرض، تراهن علی الصينيين بشکل خاص.
وفي هذا الصدد، أفادت وسائل إعلام أميركية العام الماضي بأن السعودية تخطط لإنتاج صواريخ باليستية على أراضيها بمساعدة الصين، لكن هذه الاتفاقية التي كانت سريةً، أُلغيت مؤقتًا من جدول الأعمال بعد الكشف عنها ومعارضة شديدة من الولايات المتحدة.
لقد أظهرت معارضة السعوديين لطلب أمريكا زيادة إنتاج النفط بعد الأزمة الأوكرانية، أن حكام الرياض لن ينسقوا خططهم مع أمريكا بعد الآن، ولذلك من الممكن استئناف تنفيذ الخطة الأمنية مع بكين لأن الصين حققت الكثير من التقدم في المجال العسكري في السنوات الأخيرة، وهذه القضية استرعت انتباه السعودية أكثر فأکثر.
كما تخطط السعودية لتنويع ترسانتها من الأسلحة، وبالتالي فإن الأسلحة الصينية يمكن أن تكون الخيار الأفضل لتوفير جزء من احتياجاتها من هذا البلد.
لذلك، فإن اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الجيوسياسي في غرب آسيا، يسمح للسعودية باستخدام التنافس بين الخصمين لصالحها، دون إبعاد الطرفين.
المصدر/ الوقت