الغلاء في الكيان الإسرائيلي… هجرة عكسية ومقوّمات الانهيار من الداخل
يتواصل جنون ارتفاع أسعار المنتجات والغلاء الفاحش في الكيان الإسرائيلي دون هوادة، فعلاوةً على ما أقرته الحكومة الإسرائيلية من ارتفاعٍ لأسعار الأدوات البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة، وارتفاع أسعار الخبز والطحين والحليب، وإقرار ضريبة السكر التي رفعت من أسعار المشروبات الخفيفة، أعلنت أيضًا بعض شركات الأغذية عن قرارها برفع أسعار منتجاتها.
تأتي موجة الغلاء في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية قاسية وسياسات احتكار وإفقار حكومية تستهدف السلة الشرائية للمستوطنين الإسرائيليين والتي تتضمن سلعًا أساسية وضرورية.
ومن المرتقب أن تشهد أسعار الكهرباء والمحروقات مزيدًا من الارتفاع في الكيان الإسرائيلي، ليزداد الغلاء فوق الغلاء، ما يضيق الخناق بالأساس على فلسطينيي الداخل الذين يتصدرون معدلات الفقر والبطالة حسب التقارير الأخيرة الصادرة عن مؤسسة التأمين الوطني في الكيان الإسرائيلي.
ويتصاعد التذمر والغضب في الكيان مع استمرار ارتفاع أسعار السلع والمنتجات واستغلال الشركات الكبرى
تسونامي ارتفاع الأسعار
تزداد الشكاوى الإسرائيلية بشأن ارتفاع الأسعار المتزايد بشكل “جنوني”، تزامنا مع الاحتجاج على السياسة المالية والاقتصادية التي يتبعها وزير المالية أفيغدور ليبرمان بدعم من رئيس الحكومة يائير لابيد، ما أسفر عن انهيار اقتصادي تحت وطأة تسونامي غلاء الأسعار.
وتتعلق الاحتجاجات الإسرائيلية بارتفاع تكلفة المعيشة، بما في ذلك رسوم التعليم والصحة والمواصلات، فضلا عن الزيادة الحادة في أسعار المواد الغذائية، واتهام الحكومة ووزرائها بأنهم في حالة من إظهار اللامبالاة تجاه الإسرائيليين، إضافة لإنكار الواقع الكارثي الذي يعيشونه.
وفي النتيجة فإن الواقع الاقتصادي الذي تم الكشف عنه لكل إسرائيلي في الأشهر الأخيرة يوصف بأنه كئيب ومكلف وباهظ الثمن، وفقا لوسائل إعلام عبرية.
كما ذكر تقرير لموقع “ميدا” الإسرائيلي آخر تطورات معدلات غلاء المعيشة في دولة الاحتلال، حيث “ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل ستة بالمئة عن العام الماضي 2021، بتسجيل بعض المنتجات الأساسية زيادات بلغت عشرات بالمئة مقارنة بسعرها”.
وعلى سبيل المثال، فقد “ارتفعت أسعار الأرز بنسبة 14 بالمئة، والخضروات بنسبة 7 بالمئة، والمعكرونة بنسبة 10 بالمئة، ومنتجات الدجاج بنسبة 6 بالمئة، والزيت بما لا يقل عن 28 بالمئة، وسجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك زيادة بنسبة 60 بالمئة، وهي أكبر زيادة مسجلة منذ عقد”.
وأضاف الموقع العبري أنه “بشكل إجمالي كان هناك زيادة بنسبة 4.1 بالمئة في المؤشر عن ذات الفترة من العام الماضي، حيث قفزت أسعار المساكن في الكيان الإسرائيلي أكثر من 16 بالمئة، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع”.
كما ارتفع سعر الوقود مرة أخرى إلى مستوى مرتفع جديد، كما أنه سيرتفع سعر الكهرباء الشهر المقبل بنسبة 9.6 في المئة.
ومن المتوقع قريباً زيادات أخرى في أسعار المياه والحليب والبيض والفواكه، وسيشهد سعر الخبز ارتفاعا بنسبة 20 بالمئة.
ولفت الموقع العبري إلى أن هذه الزيادات تأتي “دون أن تقدم الحكومة على فعل شيء لمواجهة تسونامي الأسعار الذي ينهار على الإسرائيليين كل يوم”.
وتتذرع حكومة الاحتلال للإسرائيليين بالحرب الأوكرانية وما رافقها من أسعار القمح في العالم، إضافة إلى التضخم العالمي، ومشاكل العرض، وفيروس كورونا، وإرث الحكومات السابقة، لكن المعارضة الإسرائيلية من جهتها تعتبر هذه الأعذار مجموعة من الأكاذيب التي لا تقنع أحدا.
ولا تكتفي المعارضة الإسرائيلية بتكذيب مبررات الحكومة بسبب ارتفاع الأسعار الفاحش، بل إنها تتهم وزراءها بالانشغال عن التعامل مع تكلفة المعيشة بالتركيز على تسليم الوظائف لأصدقائهم، في حكومة تعتبر الأكثر تضخمًا وإهدارًا.
وبدا لافتا أن نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت أن الغالبية العظمى من المستوطنين الإسرائيليين لا يؤمنون بقدرة حكومة لابيد-ليبرمان على تحمل تكاليف المعيشة، ولا يبدو أن الوضع الاقتصادي سيتغير للأفضل في أي وقت قريب، بل إنه قد يزداد سوءًا، حسب الموقع العبري.
من جانبها تناولت صحيفة “إسرائيل هيوم” قضية غلاء الأسعار لدى الاحتلال الإسرائيلي، الذي يهدد بتحطيم أرقام قياسية إضافية، وتذمّر المستوطنين منه، حتى إنّه بات سبباً لخروجهم من المدن الفلسطينية التي احتلوها إلى الولايات المتحدة الأميركية، “بحثاً عن حياة أفضل”.
وجاء في الصحيفة أن الواقع الاقتصادي القاتم يُجبر عدداً غير قليلٍ من العائلات على التفكير من جديد في مسار حياتها: “ليس قدراً حتمياً العيش هنا”، حتى أولئك الذين سعوا لسنواتٍ طويلة إلى الهجرة إلى الكيان الإسرائيلي غيّروا رأيهم: “لن نعيش في دولة فيها غلاء إلى هذا الحد”.
إنها إحدى أكثر المعضلات الأخلاقية التي تكتنف عدداً غير قليلٍ من الإسرائيليين، وتحديداً في الكيان الإسرائيلي نسخة 2022 أصبحت جوهرية وتشغل عدداً غير قليلٍ من العائلات التي يمكنها القيام بالخطوة: “هل تبقى في إسرائيل أم تحاول تحسين حياتها في بلدٍ آخر؟”.
لكن الواقع الاقتصادي، ولا سيما في العام الأخير، وغلاء المعيشة الذي يهدد بتحطيم أرقام قياسية إضافية، يؤديان ويقودان المزيد والمزيد من العائلات إلى إدراكٍ حتمي.
“نحن نحب الدولة كثيراً، لا أحد يشك في أننا سنهاجر إلى لوس أنجلوس بعد 3 أشهر”، يعلنها بترددٍ زوجان في الأربعين من عمريهما، وأولادهما الثلاثة الصغار، أذعنوا للكي الاقتصادي في الأرض المقدسة، ويفضّلون نسخة أرض الخيارات غير المحدودة.
الوالد، يوضح: “حاولنا بالفعل زرع وتدٍ في هذا البلد، لكن غلاء المعيشة هنا لا يسمح لنا بإدارة الحياة التي أريدها لي ولأولادي، المعيشة هنا غير ممكنة، من المشتريات وصولاً إلى الحسابات، ببساطة لا يمكن العيش. تنازلت عن حلم شقة منذ زمن، لكن أسعار الإيجار غير مناسبة أيضاً”.
ولماذا أنت على قناعة بأن القصة في الولايات المتحدة مختلفة؟ تسأل الصحيفة، “مختلفة كلياً، لدي أخ يقيم هناك منذ 20 عاماً، وأعلم عن طريقه كم أنّ كل شيء هناك أسهل، وكم أنّ المعيشة هناك مختلفة، بداهةً طالما أنك تعمل بجهد وتنجح في الحصول على راتبٍ مناسب. في “إسرائيل” لا قيمة للمال، نبدأ كل شهر بعجزٍ من آلاف الشواكل، من أجل محاولة إنتاج جودة حياة مناسبة هنا، يجب على الزوجين أن يكسبا معاً ما لا يقل عن 30 ألف شيكل في الشهر أي نحو 8800$”.
غال جداً علينا
عائلة أخرى قررت في العام الأخير توضيب حقائبها والتكيف مع عطرٍ أوروبي بدل وضع التراكم الشرق – أوسطي، هي عائلة كارني مرغ، التي ستنتقل إلى برلين مباشرةً بعد الأعياد [اليهودية] – لمن يتساءل، تذكرة في اتجاهٍ واحد.
شيني، الوالدة، توضح: “قررنا استغلال جواز السفر الأوروبي لزوجي وتجربة حياة جديدة في دولة أخرى. لدينا طفلان صغيران، وأنا لا أعتقد بأنه يمكنني أن أمنحهما هنا المستقبل الأفضل، أعرف ماذا يقولون وكل الانتقادات بشأن برلين وألمانيا، وهذا ليس شيئاً لم نفكر فيه، لكننا في أزمانٍ مختلفة، وواثقون من أنه يمكننا أن نمنح أنفسنا حياةً أفضل هناك”.
عودة؟ انسوا هذا!
وتكمل: “يجب وضع الأوراق على الطاولة، غلاء المعيشة وما حدث هنا في العام الأخير ببساطة كسرنا. حتى إنني لا أتحدث عن الواقع الأمني المعقد هنا. كل يوم يرتفع سعر شيء، وأسعار الشقق أصبحت نكتة مشوبة بحزن. ليس قدراً محتوماً العيش هنا”.
غلاء المعيشة والمستقبل الضبابي يدفعان، إن لم نقل يُمليان على، عدد غير قليلٍ من العائلات إلى محاولة الهجرة إلى بلدٍ آخر. و هناك عائلات تعيش في الغربة منذ سنواتٍ طويلة، وحلُمت بالعودة، لكنها قررت وضع الحلم جانباً، في أعقاب ارتفاع الأسعار هنا.
الزوجان بيرنس، اللذان يعيشان في الولايات المتحدة منذ 25 عاماً، يرويان: “منذ عدة سنوات ونحن نخطط لعودتنا إلى إسرائيل، لكن في النهاية قررنا البقاء في ميامي. الأولاد كبروا قليلاً وأردنا أن يبلغوا في إسرائيل. لكن عندما نرى كم أنّ الوضع هناك معقد، وكم أنّ المعيشة صعبة في إسرائيل، قررنا أنها ليست فكرة ناجحة”.
وتابعا: “هنا، في الولايات المتحدة، يمكنك عيش حياة في إسرائيل يسمونها أسلوب حياة للأغنياء فقط. بالفعل، لسنا راغبين في العودة إلى الوراء، ولذلك نفضل البقاء هنا”.
تل أبيب أغلى مدينة في العالم
جاء في صحيفة “ذا إيكونوميست”، التي تنشر “مؤشر تكلفة المعيشة العالمية” سنويا، في مؤشرها لعام 2021 أن مدينة تل أبيب هي أغلى مدينة في العالم.
ويقارن مؤشر تكلفة المعيشة بين 173 مدينة رئيسية في العالم. واحتلت تل أبيب مكانة عالية في المؤشر، عادة في العشر افتتاحيات، لسنوات عديدة. جاءت تل أبيب في مؤشر 2020 في المركز الخامس بعد زيورخ وباريس وهونغ كونغ وسنغافورة. قفزت هذا العام إلى المركز الأول بسبب قوة الشيكل الذي رفع الأسعار أمام الدولار.
سبب وجود الكيان الإسرائيلي في هذا المؤشر، وكذلك حقيقة وصولها إلى القمة، هي قوة الاقتصاد الإسرائيلي، وخاصة صناعة التكنولوجيا العالية، التي نمت في أزمة كورونا بينما تحطمت الصناعات الأخرى. لكن احتلال تل أبيب للمقام الأول أثار ردود فعل غاضبة من الجمهور ووسائل الإعلام. وذلك لأن الإسرائيليين من الطبقة الوسطى والضعيفة يتضررون ويعانون من غلاء المعيشة.
إذاً بتنا نرى أن مقومات انهيار الكيان من الداخل بدأت تتهيأ شيئاً فشيئاً وبدأت الهجرة العكسية بالظهور وهذا ربما يسبب القلق للكيان الذي قام بجذب اليهود من أقصى نقاط الأرض ووعدهم بقيام الدولة الموعودة وبأنهم شعب الله المختار ولكن اليوم بدأ اليهود بالمغادرة ولن يبقى منهم سوى الصهاينة الذين سيرحلون أيضاً ولكن بالقوة العسكرية وبالمقاومة.
المصدر/ الوقت