التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

أزمة جديدة في كاراباخ على وقع الحرب في أوكرانيا 

بينما تم اتفاق وقف إطلاق النار بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا في نوفمبر 2020، كان من المتوقع أن تنتهي التوترات في منطقة ناغورنو كاراباخ الجبلية بين البلدين بعد ثلاثة عقود، لكن هذه الاتفاقات لم تكن قادرةً على خفض مستوى التوترات في منطقة جنوب القوقاز، بل على العكس، اشتدت.

وعلى الرغم من وقوع اشتباكات متفرقة بين قوات جمهورية أذربيجان وأرمينيا منذ اتفاق وقف إطلاق النار، لكن ليل الاثنين وقعت أعنف الاشتباكات بين الجانبين، وأعلنت السلطات الأرمنية والأذربيجانية تبادل إطلاق النار بين قوات البلدين في المناطق الحدودية، وحسب شهود عيان محليين، كان إطلاق نار بين قوات البلدين في عدة أماكن.

وأفاد نيل هاوير، المراسل الكندي الذي يعمل في سي إن إن وسي بي سي، أن وحدات الجيش الأذربيجاني فتحت النار على أرمينيا باستخدام المدفعية والطائرات دون طيار. ووقعت هذه الهجمات في أراضي أرمينيا وخارج منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها.

وزارة الدفاع في جمهورية أذربيجان زعمت أن النزاعات الحدودية قد حدثت بسبب الأعمال الاستفزازية لأرمينيا. وادعی بيان وزارة الدفاع في باكو أن الاشتباكات بدأت بعد أن نفذت القوات الأرمينية هجمات واسعة النطاق على مناطق “دشقاسان وكالبجار ولاشين” القريبة من الحدود.

وحسب هذا الادعاء، فقد استهدفت القوات الأرمينية مواقع وخنادق وقواعد جمهورية أذربيجان في المناطق الحدودية بهجمات بقذائف الهاون، ما أدى إلى خسائر في الطاقم وإلحاق أضرار بالبنية التحتية العسكرية.

هذا فيما قالت السلطات الأرمنية إنها لم تتخذ أي إجراء لاستفزاز قوات الجانب الآخر، وبدأت القوات الأذربيجانية فجأةً بالتقدم نحو الأراضي الأرمنية بنيران المدفعية والطائرات المسيرة، واستهدفت عدة مواقع علی الحدود.

وحسب وزارة الدفاع الأرمينية، استخدمت القوات الأذربيجانية في هذه الهجمات طائرات دون طيار ومدفعية وأسلحة نارية من العيار الثقيل، وقد ردت القوات المسلحة الأرمنية على هذه الهجمات بالشكل المناسب.

کما عقد مجلس الأمن القومي الأرمني اجتماعاً طارئاً بعد هذه الصراعات مباشرةً، وطلب في النهاية من روسيا المساعدة في الدفاع عن أمن البلاد ضد أذربيجان.

في هذه الاشتباكات التي استمرت لساعات قليلة، قُتل 49 جنديًا أرمنيًا، وكما أعلن مسؤولون في باكو، تكبدت القوات الأذربيجانية أيضًا إصابات في هذه الاشتباكات.

وفقًا للاتفاقيات، تم التوصل إلى وقف هش لإطلاق النار بين الجانبين منذ يوم الثلاثاء، ولم يتمكن أي من الجانبين من السيطرة على مناطق جديدة، إلا أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ادعى أن قوات بلاده تمكنت من تحقيق كل أهدافها ودمرت تهديدات الأرمن.

الصراع خارج كاراباخ

كما يتضح من تقارير السلطات الأرمينية، فقد تم استهداف مناطق جديدة من الأراضي الرئيسية لأرمينيا في هذه النزاعات، أي المناطق التي لم يتم ذكرها في اتفاقيات 2020.

الاتفاقات قبل عامين أكدت فقط على وقف النزاعات في مناطق الصراع داخل كاراباخ، لكن هذه المرة كانت المدن الحدودية لأرمينيا مكانًا لتبادل إطلاق النار، ما يدل على أن أذربيجان وسعت نطاق الحرب إلى ما وراء حدود كاراباخ.

وبما أن الجزء الصغير المحاصر داخل كاراباخ والذي يسمى “آرتساخ” يخضع لسيطرة أرمينيا، وتعتبر سلطات باكو هذه المنطقة ملكًا لها، لذلك، من خلال خلق حالة من انعدام الأمن في حدود هذه المنطقة، يحاولون إجبار الأرمن الذين يعيشون فيها على الفرار، ليتمکنوا بتكلفة أقل من ضمّ هذه المنطقة إلى الأرض الرئيسية لأذربيجان بعد ثلاثة عقود.

حسب الاتفاقات، كان من المفترض أن يدافع ألفا جندي روسي عن أمن هذه المنطقة المتنازع عليها، لكن يبدو أنه بسبب تورط الروس في أوكرانيا، قللت القوات الروسية من وجودها في هذه المنطقة المتنازع عليها، واستغلت القوات الأذربيجانية هذا الفراغ الأمني.

استغلال التوتر بين الغرب وروسيا في أوكرانيا

جمهورية أذربيجان، التي استغلت أزمة وباء فيروس كورونا في خريف 2020، واستطاعت استعادة العديد من مناطق كاراباخ بعد 28 عامًا من خلال حرب جديدة، يبدو أنها هذه المرة أيضًا، ومن خلال استغلال فرصة انشغال روسيا والغرب في أوكرانيا، ستتمكن من أخذ المناطق المتبقية تحت سيطرتها.

ونظرًا لأن روسيا كانت أكبر حليف لأرمينيا في العقود الثلاثة الماضية، ودعمتها سياسيًا وعسكريًا ضد جمهورية أذربيجان، ولكن بسبب تورط هذا البلد في حرب أوكرانيا، انتهزت سلطات باكو الفرصة وتحاول استغلال هذا الوضع لتحقيق أهدافها.

لأن سلطات جمهورية أذربيجان تعلم أن روسيا ليست في وضع يسمح لها بإظهار رد فعل جدي على التوترات في جنوب القوقاز، وهذه فرصة جيدة لقوات باكو لتكرار انتصارات العامين الماضيين بمساعدة تركيا.

وبما أن أي إجراء تتخذه باكو في كاراباخ يتم بالتعاون مع تركيا، فقد أعطت سلطات أنقرة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه المرة أيضًا الضوء الأخضر لبدء النزاعات. لأن تركيا تعتبر الوضع العالمي والتوتر بين الغرب وموسكو في أوكرانيا، فرصةً جيدةً لمساعدة حليفتها في تحقيق أهدافها.

محاولة السيطرة على ممر زانجيزور

في العامين الماضيين، أظهرت السلطات الأذربيجانية أنها مصممة على بناء ممر زانجيزور، لربط الأراضي الرئيسية لأذربيجان بمنطقة “ناختشيفان” المتمتعة بالحكم الذاتي، على الرغم من معارضة روسيا وإيران، وهذه الخطة لم تُحذف من طاولة السياسة الخارجية لباكو.

وعلى الرغم من افتتاح ممر “لاتشين” في الأسابيع الأخيرة كبديل لزانجيزور، الذي يتجاوز أرمينيا ويصل إلى ناختشيفان عبر الأراضي الإيرانية، إلا أن سلطات باكو لا تزال غير راضية عن هذا الممر وقد رضخت له بالضغط الدولي.

لذلك، تحاول أذربيجان إشعال حرب على حدود أرمينيا والاستيلاء على جزء من أراضي هذا البلد، وتكون قادرةً على استخدام هذه الورقة في المستقبل.

على الأرجح، تعمل سلطات باكو على تأجيج تصعيد التوترات بافتراض أنها تستطيع الحصول على امتياز بناء ممر زانجيزور مقابل تسليم الأراضي المحتلة لأرمينيا في المستقبل، ولن يكون ذلك طريقًا صعبًا في الوقت الذي يتركز فيه اهتمام العالم على الحرب في أوكرانيا.

لذلك، بالنظر إلی طموحات باكو، ستستمر التوترات طالما لم يكن لروسيا وجود نشط وموثوق كضامن للسلام والاستقرار في كاراباخ، ولا يمكن لاتفاقيات وقف إطلاق النار أن تمنع الحرب في المستقبل، لأن جمهورية أذربيجان لديها مطالبات إقليمية في كاراباخ ولن تتوقف حتى تتحقق هذه المطالبات بالكامل.

استخدام باكو للأسلحة الصهيونية

تشير بعض التقارير إلى أن القوات الأذربيجانية استخدمت الطائرات الصهيونية دون طيار في النزاعات الأخيرة، لاستهداف مستودعات الذخيرة والمدن الأرمنية.

وفي هذا الصدد، أفاد موقع کانفلیکت نیوز الروسي بأن طائرة “هاروب” المسيرة التابعة لسلاح الجو الأذربيجاني، استُخدمت في هجمات على المواقع الأرمينية. يذکر أن “هاروب” هي طائرة دون طيار انتحارية، تصنعها شركة صناعات الفضاء الصهيونية المعروفة باسم “IAI”.

الموقع الروسي ذکر أن استخدام أذربيجان لطائرة انتحارية إسرائيلية دون طيار حدث في الماضي أيضًا، وقال إن استخدام هاروب من قبل القوات المسلحة الأذربيجانية لم يكن المرة الأولى.

خلال الصراع في كاراباخ في الأعوام 2016 و 2018 و 2020، حدثت تجربة هاروب القتالية الحقيقية. ويأتي هذا التقرير في حين أنه قبل يوم واحد من بدء الاشتباكات الحدودية، أفادت بعض المصادر بأن طائرةً إسرائيليةً تحمل شحنة أسلحة هبطت في باكو.

في العقد الماضي، وقعت جمهورية أذربيجان العديد من العقود العسكرية مع تل أبيب، وخصصت مليارات الدولارات لشراء الأسلحة من هذا الکيان.

ردود الفعل العالمية على التوترات في كاراباخ

أدى اندلاع الحرب المتجددة في كاراباخ إلى رد فعل الدول الإقليمية والدولية. حيث أبدى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قلقه من تصاعد التوترات والنزاعات الحدودية بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، ودعا الجانبين إلى ضبط النفس وحل الخلافات بالطرق السلمية.

وأكد “ناصر كنعاني” مرةً أخرى عدم جواز إجراء أي تغييرات على حدود أذربيجان وأرمينيا، وقال إن إيران تراقب بعناية التطورات المتعلقة بهذه القضية. كما أعلن كنعاني استعداد إيران لأي مساعدة لحل الخلافات بين البلدين الجارين.

کذلك، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء جولة التوترات الجديدة في منطقة كاراباخ، وقالت: “نتوقع أن تلتزم أرمينيا وأذربيجان بوقف إطلاق النار المعلن بين البلدين والذي تم التوصل إليه بوساطة روسية”.

بدوره أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، في بيان، عن قلقه من تصاعد التوترات في هذه المنطقة، ودعا إلى إنهاء فوري للصراعات بين أذربيجان وأرمينيا واللجوء إلى الحوار.

تركيا، التي تتخذ موقفًا متحيزًا دائمًا بشأن التطورات في كاراباخ، انتقدت أرمينيا هذه المرة أيضًا، واتهمت هذا البلد بإعادة خلق التوتر في المنطقة. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن على أرمينيا أن توقف أعمالها الاستفزازية، وأن تركز على محادثات السلام والتعاون في إطار المصالحة التي حققتها مع جمهورية أذربيجان.

يُظهر الصراع الأخير، وهو الأكبر والأكثر دمويةً منذ عام 2020، أن الوضع الأمني ​​بين البلدين لا يزال غير مستقر، ما يهدد عملية السلام الهشة، وإذا خرجت الصراعات عن السيطرة، فيمكن أن تخلق أزمةً جديدةً في المنطقة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق