ما تأثير إعلان بعض الأحزاب التونسية مقاطعة الانتخابات التشريعية على الشارع
– أعلنت 5 أحزاب تونسية، الاثنين، مقاطعتها الانتخابات التشريعية المقررة في ديسمبر/كانون الأول المقبل التي دعا لتنظيمها الرئيس قيس سعيّد.
وانعقد في العاصمة تونس الإثنين مؤتمر صحفي لأحزاب الجمهوري، والعمال، والقطب، والتيار الديمقراطي، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.
وخلال المؤتمر، قال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي إن الأحزاب الخمسة قررت مقاطعة الانتخابات التي دعا لها قيس سعيّد وفق المرسوم الذي أصدره، معتبرا أن الانتخابات محطة أخيرة في الأجندة السياسية التي حاول أن يفرضها سعيّد بعد انقلابه على الدستور والشرعية.
وتابع “تونس ليست في مسار أو مناخ انتخابي.. ولا يمكن أن نقبل تزكية هذا المسار الانقلابي في محطته الأخيرة”.
ولفت الشابي إلى أن 75% من التونسيين لم يشاركوا في الاستفتاء، وبالتالي فإن الدستور الذي فرضه سعيّد بقوة الأمر الواقع سقط سياسيا وأخلاقيا وانتخابيا، حسب قوله.
وفي السياق، قال الخبير القانوني والمحلل السياسي، الصغير الزكراوي، إن “رئيس الجمهورية يواصل نهجه الانفرادي كما فعل في الدستور. لقد فاجأنا بإصدار مرسوم متعلق بقانون الانتخابات ونقح القانون القديم وأضاف إضافات جديدة”.
وأضاف إن هناك “تغييرا جذريا للقواعد والأحكام التي تحكم الانتخابات … كان يفترض على الرئيس أن يستشير الأحزاب السياسية والجمعيات الناشطة في مجال الانتخابات”، لكن القانون الجديد يهدف للحد من تأثير الأحزاب السياسية، وفق وصف الزكراوي.
لكن الأكاديمي المختص في الشؤون السياسية، خالد عبيد، يرى أن الانتقادات الموجهة للقانون على أنه يقصي الأحزاب السياسي ويقلل من تأثيرها غير دقيقة.
وقال “لا اعتقد أن الانتقادات صحيحة بنسبة 100 بالمئة، حتى لو كانت نية الرئيس سعيد أن يقصي الأحزاب. بإمكان الأحزاب السياسية أن تتأقلم مع القانون الجديد وتدعم مرشحا واحدا في كل دائرة وتوفر له المال والدعاية”.
وأشار إلى أن المواطن العادي الذي ليس لديه آلة تحشيد ودعم من قبل الأحزاب، سيجد نفسه غير قادر على منافسة مرشحي القوى السياسية.
والخميس، أصدر الرئيس سعيّد أمرا بدعوة الناخبين لانتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، إضافة إلى مرسوم لتنقيح (تعديل) القانون الانتخابي يعتمد التصويت على حسب الأفراد ويعيد تقسيم الدوائر الانتخابية.
ووفق المادة الأولى من الأمر الرئاسي “يدعى الناخبون يوم السبت 17 ديسمبر لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان)، كما يدعى الناخبون المقيمون بالخارج أيام الخميس والجمعة والسبت 15 و16 و17 ديسمبر 2022”.
ويعتمد القانون الانتخابي الجديد النظام الأكثري الفردي على دورتين بدلاً من الانتخاب على أساس القوائم الذي كان معمولاً به قبل اجراءات سعيد العام الماضي.
وسيتألف البرلمان الجديد من 161 نائباً، وستكون صلاحياته محدودة للغاية بموجب الدستور الجديد الذي أقر في استفتاء نظمه الرئيس قيس سعيد في يوليو شهد مقاطعة كبيرة.
ومطلع سبتمبر (أيلول)، أعلنت “جبهة الخلاص الوطني” التونسية أن مكوناتها وأبرزها حزب “النهضة” ستقاطع الانتخابات التشريعية، علماً أن القانون الانتخابي الجديد لم يكن قد صدر بعد.
وتشهد تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021 أزمة سياسية حادّة، حيث فرض الرئيس آنذاك إجراءات استثنائية منها تجميد البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، إضافة إلى تغيير النظام الانتخابي.
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية هذه الإجراءات وتعتبرها “انقلابًا على الدستور”، بينما تؤيّدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحًا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بحكم الرئيس زين العابدين بن علي.
وأثار التحرك الأخير للأحزاب التونسية لتشكيل ائتلاف مناهض لتوجهات الرئيس قيس سعيد، والدعوة لمقاطعة جماعية للانتخابات التشريعية، تساؤلات حول مدى تأثير هذه الخطوة على المشهد السياسي القادم وخاصة أنها الأولى من نوعها التي أتت بصفة جماعية، حيث سبق وأعلنت الأحزاب عن مقاطعتها بشكل فردي.
وانقسمت الآراء بين من يرى في تشكيل ائتلاف حزبي موحّد مناهض لمسار الرئيس خطوة جادة و”عملية” لتغيير نظام سعيّد، وبين رأي آخرين من مؤيدي الرئيس أنها لن تؤثر “على خارطة الطريق” التي اتخذها منذ 25 يوليو/تموز 2021.
ويرى القيادي في حزب العمال الجيلاني الهمامي أن تنظيم تحالف سياسي للمرحلة القادمة مهم لردع “الانقلاب” في آخر مسار له والمتمثل في انتخابات تشريعية غير شرعية، حسب رأيه.
وقال الهمامي “العمل المشتت لا يعطي نتيجة، وبالائتلاف الحالي سيكون لنا وزن جديد كقطب رابع في الساحة السياسية”.
من جهته قال عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أسامة عويدات إن الأحزاب التي دعت إلى المقاطعة منها مَن شارك بانتخابات سابقة في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 3 دورات متتالية “وليس لهذه الأحزاب أي وزن انتخابي ولا تأثير لها على الشارع التونسي”.
في المقابل، يعتبر المحلل السياسي فتحي الزغل أن التحالف الجديد الذي أعلن مقاطعته للانتخابات التشريعية القادمة لن يكون له تأثير فارق في الأجندة السياسية القادمة لسببين: أولهما أن تلك الأحزاب اتخذت الموقف من موقع ضعف وليس من موقع قوة، لأن المسار الذي انتهجه سعيد يستبعد كل الأحزاب منذ البداية.
أما السبب الثاني حسب الزغل “فالرئيس يتقدم بخطوات لا يجد لها معارضة سياسية صلبة لا في الشارع ولا من قبل الأحزاب والمنظمات، ولن يكون لإعلان التحالف المناهض تأثير كبير”.
وفي هذا الخصوص، يرى المحلل السياسي بلحسن اليحياوي أن كل طرف يمضي في مساره كما هو “فالرئيس ملتزم بخارطته كما هي ويحترم الآجال التي وقع عليها آنفا، وكذلك الأحزاب ماضية في مقاطعة كل توجهاته السياسية”.
ويعتقد اليحياوي أن “لا أثر للمقاطعة، بل إنها عقيمة بالمقارنة مع التصويت بالورقة البيضاء الذي يكشف عن حجم المقاطعة الحقيقية وخاصة أن السمة الأبرز للمواعيد الانتخابية في تونس هي العزوف عن الانتخابات”.
ويرى أن الأحزاب التي تريد إيصال رسالة ما يجب عليها الدفع بقواعدها للتصويت بورقة بيضاء و”تلك المقاطعة حينها ينتج عنها أثر ميداني وسياسي وما سوى ذلك هو مواصلة للمعارضة السلبية”.
المصدر/ الوقت