الانقسام الداخليّ العميق للاحتلال ونقطة اللاعودة
بالتزامن مع التهديدات الكثيرة التي تعصف بالكيان الإسرائيليّ الغاصب للأراضي العربيّة، يتحدّث قادة الاحتلال لبعدو بشكل مكثف في الفترة الأخيرة، عن الانقسام الذي يعيشه الإسرائيليون، حيث استند أولئك بشكل كبير على نتائج انتخابات الكنيست (البرلمان) الأخيرة، مع تزايد الشروخات بشكل يهدد “المجتمع الإسرائيليّ”، ولا يمكن تناسي الجملة التي يرددونها دوماً وهي: “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وهذا الموضوع يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان اللقيط الذي قام منذ ولادته بني على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، وإنّ مصير “إسرائيل” طغى على لسان الكثير من المللحين الإسرائيليين حيث كثيراً ما تم التطرق لهذا الموضوع من قبل الصهاينة أنفسهم.
في الوقت الذي فشل فيه الكيان الإسرائيليّ الذي اعتمد عدداً من الاستراتيجيات، في تحقيق وتجسيد الحلم الصهيونيّ على أرض فلسطين المحتلة، بيّن رئيس الاحتلال، إسحاق هرتسوغ، في كلمة لمناسبة الذكرى السنوية الـ27 لمقتل رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، أنّ الوضع السياسي المعقد في الكيان يضع أمام الإسرائيليين ما أسماه “تحدياً تاريخياً”، مع سير الدولة اللقيطة في طريق فقدان هذا المشروع، والذي لم ينجح تطبيقه رغم كل عمليات التطهير العرقيّ والتهجير القسريّ المستمر حتى يومنا هذا.
“نتائج الانتخابات الإسرائيليّة الأخيرة عبّرت أننا منقسمون، والمسؤولية من الآن وصاعداً ملقاة على عاتق كل اللاعبين السياسيين وعلى رأسهم من يده هي العليا، ومن قوته السياسية أكبر”، هذا ما أشار إليه هرتسوغ، وهذا يتقاطع مع حديث ايهود باراك رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، حيث قال: “إن الخطر الحقيقي هو في الداخل الإسرائيلي، معربا عن قلقه من تدهور إسرائيل قبل نهاية الثمانينيات من عمرها” وذلك في مقال نشره في 4 مايو 2022 في صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، كما نوّه رئيس وزراء الكيان السابق نفتالي بينيت، في إشارة إلى هذه اللعنة، في 3 مايو من هذا العام: إلى أنّ “السبب الرئيس لتفكك حكومات إسرائيل السابقة هو الكراهية الداخلية التي نشأت بين الإسرائيليين”، وقد حذّر في الوقت نفسه من أن “إسرائيل ستنهار من الداخل لأن الكراهية بين الأفراد تؤدي إلى تفكك الأمم”.
“الإسرائيليون قريبون من نقطة اللا عودة”، عبارة جاءت على لسان رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد، الذي أكّد أنّه “بعد عدة أيام من ذهاب إسرائيل إلى انتخابات، عادت منها منقسمة ومرةً أخرى غاضبة”، حيث يشير المشهد الإسرائيليّ العام، خاصة على الصعيدين السياسيّ والاجتماعي، إلى الحال الذي وصل إليه الكيان الغاصب من الترنح العميق في كافة السلطات والمجتمع الصهيوني في آن واحد، بدءاً من الكنيست أو السلطة التشريعية، وصولاً إلى الحكومة أو السلطة التنفيذية، وليس ختاماً عند السلطة القضائية ممثلة بالمحكمة العليا للحكومة الصهيونيّة، فيما يضيع التوازن بين مختلف السلطات في حكومة العدو تماشياً مع أساليب “تكسير العضم” داخل النظام السياسيّ الإسرائيليّ وهذا ما يؤكّده مشهد الصراع بين كافة السلطات، بما يمتد بلا شك على كافة النواحي الاجتماعية.
وفي هذا الشأن أيضاً، صرّح وزير الأمن الداخلي السابق في الاحتلال الإسرائيلي، أفيغدور كهلاني، في وقتٍ سابق، أنّه يخشى مصير “إسرائيل” بعد جيل، مضيفاً: “المشاكل الداخلية ستدمرها”، حتى بنيامين نتنياهو الذي تصدّر تحالف “حزب الليكود” الذي يرأسه نتائج انتخابات الكنيست، بحصوله على 64 مقعداً، بينما نال تحالف الحكومة الحالية، برئاسة يائير لابيد، 51 مقعداً، تطرق في أكتوبر 2017، إلى المخاطر التي تهدد “”إسرائيل” قائلاً: “إذا أردنا الاحتفال بالذكرى المئوية، يجب أن نواجه هذا الخطر أولاً، وأكد أن “مملكة الحشمونائيم” استطاعت البقاء لمدة تقل عن 80 عاما، وهو يحاول أن يصل الكيان إلى ذكراه المئوية، وهذا الرأي ليس فقط للسياسيين الصهاينة، لكن الكثير من المؤرخين الإسرائيليين يؤكدون ذلك أيضًا.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى تصريحات سابقة للمحلل الإسرائيلي آري شافيت الذي شدّد على أنّ “إسرائيل” تجاوزت نقطة اللاعودة وهي تتنفس أنفاسها الأخيرة، والآن حان وقت العودة، حيث يدرك الإسرائيليون بشدّة أنّه لا مستقبل لهم في فلسطين، فهي ليست أرضاً بلا شعب، كما كذبوا، بعد أن وافق الصهاينة على إنشاء وطنهم اليهودي على أرض فلسطين العربيّة تاريخيّاً، وزعموا أنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، وقد شجعت الحركة الصهيونيّة بشكل كبير جداً، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين، لإبادة هذا الشعب وسلب أرضه.
إضافة إلى كل ما ذُكر، كشفت وسائل إعلام عبريّة أنَّ ثلث الشبان في كيان الاحتلال لا يعتقدون بأنَّ “إسرائيل” ستكون موجودة بعدَ 25 عاماً، ووفقاً لنتائج استطلاع للرأي أجراه “ائتلاف الحركات الشبابية” في كيان الاحتلال، ونقلته “القناة 12″، فإنّ ثلث الشبان الصهاينة لا يريدون أن يجري تجنيدهم، واعتبرت القناة، أنّ “هذه المعطيات خطرة وتدمي القلوب”، ولا يخفي الإعلام العبريّ ولا المسؤولين الصهاينة ولا المحللين والمتابعين بأنّهم يواجهون أصعب شعب عرفه التاريخ، وبأنفسهم يؤكدون أنه لا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال.
وفي الوقت الذي فهم الإسرائيليين بشكل كامل الخداع الذي تحاول الآلة الإعلانية للكيان زرعه في عقولهم، كشف استطلاعٌ سابق للرأي عدم تفاؤل نسبة كبيرة من الإسرائيليين “تجاه مستقبلهم”، وأوضح أنَّ التحديات التي تثير قلقهم كثيرة، يأتي في طليعتها الشرخ الاجتماعي داخل الكيان، فيما يعترف الصهاينة وإعلامهم أنّ الكيان الغاصب سيواجه خلال الـ 15 عامًا المقبلة مخاطر انهيار داخليّ مريع يتهدده أكثر من القنبلة النوويّة الإيرانيّة والجيوش العربية مجتمعةً بحسب توصيفهم.
ختاماً، إنّ “القناة 12” العبريّة تحدثت في وقتٍ سابق تفاصيل عن حوارٍ دار بين خمسة رؤساء أركان إسرائيليين، أجمعوا فيه على أنّ ضعف الترابط الداخلي تهديدٌ وجودي للكيان، وهذا يؤكّده الصحافيّ الصهيونيّ اليساريّ، جدعون ليفي الذي أوضح في مقالات له أنّ قوات المحتل تستطيع تدمير بنايتيْن في غزّة المحاصرة من عقد ونصف تقريبا، لكنّها لن تستطيع وقف عملية التدمير الذاتيّ الداخليّ الإسرائيليّ، إذ إنّ السرطان الذي يعاني منه كيان الاحتلال قد بلغ مراحله النهائية ولا سبيل لعلاجه لا بالأسوار ولا بالقبب الحديدية ولا حتى بالقنابل النووية، فالتاريخ علم اليهود أنّه لا يمكن لدولةً يهودية أن تستمر لأكثر من ثمانين عاماً.
المصدر/ الوقت