بعد عودة اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى السلطة… کيف سيکون مصير اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان؟
بعد أن تمكن المتطرفون اليمينيون في الكيان الصهيوني من العودة إلى السلطة في الجولة الخامسة من الانتخابات المتتالية لهذا الکيان، تثار أسئلة حول الوضع العام لفلسطين المحتلة وكذلك قضايا داخلية وخارجية مهمة للکيان في المرحلة الجديدة.
إن الوضع الداخلي لفلسطين وقطاع غزة وفصائل المقاومة في هذه المنطقة، والعلاقات بين الکيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، والتوترات بين تل أبيب وروسيا في الحرب في أوكرانيا وغيرها، هي من بين القضايا أو التحديات المهمة التي تواجهها حکومة نتنياهو، وثمة سيناريوهات تُرسم حول كيفية تفاعل اليمين الإسرائيلي معها.
عودة اليمين الإسرائيلي المتطرف ومصير اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان
في ظل المواقف المتطرفة لليمين الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو، وكذلك بالنظر إلى تعيين أشخاص مثل “إيتمار بن غفير”، العضو المتطرف في الكنيست وأحد المتبقين من حركة “کاخ” الإرهابية، قد يبدو أن الحكومة الجديدة في الكيان الصهيوني ستتبنى سياسةً مختلفةً تمامًا عن الحكومة الائتلافية السابقة، ما سيكون له بالتأكيد عواقب على الإسرائيليين.
إن الهاجس الأكبر للخبراء والدوائر الإسرائيلية وحتى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، يتعلق بسياسة اليمين الإسرائيلي المتطرف داخل فلسطين، وتنفيذ إجراءات مثل توسيع المستوطنات وتكثيف قمع الفلسطينيين وزيادة الصراعات في الضفة الغربية والقدس وإلخ، الأمر الذي يضع الوضع الملتهب في فلسطين عملياً على شفا الانفجار، وقد يكون مقدمةً للانتفاضة الفلسطينية الثالثة.
لكن الأدلة تظهر أنه حسب ما قاله بنيامين نتنياهو خلال حملته الانتخابية، فإن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وكذلك التوترات الأخيرة بين موسكو وتل أبيب في الأزمة الأوكرانية، هي من بين القضايا الخارجية المهمة للکيان الصهيوني، والتي يجب على الحكومة اليمينية في الکيان أن تحدد سياستها تجاهها.
قبل شهرين، عندما اتخذ المبعوث الأمريكي عاموس هوشتاين خطوات جادة نحو إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البنان وفلسطين المحتلة، ووافق يائير لابيد رئيس الوزراء السابق في الکيان الصهيوني وأعضاء حكومته على تنفيذ هذا الاتفاق، انتقد نتنياهو بشدة لابيد وحكومته واتهمهم بخيانة “إسرائيل”.
وبينما كانت المحادثات حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة تجري عشية الانتخابات الإسرائيلية، استغل نتنياهو هذه الفرصة لمهاجمة لابيد وحزبه، وقال مخاطباً المستوطنين الصهاينة إن لابيد سلَّم “إسرائيل” لحزب الله بالموافقة على اتفاق الحدود مع لبنان.
هذا بينما كان يائير لابيد يحاول أن يجعل اتفاق الحدود مع لبنان يبدو وكأنه إنجاز للکيان الإسرائيلي، ويقول إنه من خلال القيام بذلك اشترى الأمن للإسرائيليين وأزال عملياً خيار الحرب مع حزب الله.
وبعد توقيع الاتفاق غير المباشر بشأن ترسيم الحدود الأسبوع الماضي من قبل الرئيس اللبناني ميشال عون ويائير لابيد، أعلن نتنياهو في مقابلة إذاعية قبل يوم واحد من انتخابات الكنيست: هذا اتفاق مشكوك فيه واستسلام محض لحزب الله. يائير لابيد وبيني غانتس(وزير الحرب) لم يسعيا قط لاستخراج الغاز من أعماق البحار، ولهذا السبب وقعا الآن اتفاقيةً مشبوهةً هي “استسلام محض لحزب الله”.
وبينما أشار رئيس الوزراء المکلف بتشكيل حكومة الكيان الصهيوني إلی أنه سيلغي هذه الاتفاقية إذا تولى منصب رئيس الوزراء، قال: “سأفعل بهذه الاتفاقية ما فعلته باتفاقية أوسلو، لأن اتفاقية أوسلو كانت اتفاقية استسلام من جانب الحكومة اليسارية.”
هل لدى نتنياهو القدرة على إلغاء اتفاقية الحدود البحرية؟
بناءً على ذلك، فإن السؤال المهم الذي سيطرح في المرحلة المقبلة بخصوص اتفاق الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، هو هل ستصمد هذه الاتفاقية عندما تتولى حكومة نتنياهو مقاليد الأمور؟ وهل سيلتزم الصهاينة بجميع بنودها؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً دراسة السياسات العامة لليمين الإسرائيلي. لقد أثبت نتنياهو وحلفاؤه خلال فتراتهم المختلفة في الحكومات الإسرائيلية، أن استراتيجيتهم تقوم على التهديد أكثر من العمل. وخاصةً أن بنيامين نتنياهو، على الرغم من نهجه وسياساته المتطرفة على المستويين الداخلي والخارجي، يتجنب الدخول في صراع مباشر مع فصائل المقاومة.
إلى جانب ذلك، كانت حرب مايو 2021، التي فاجأت خلالها الفصائل الفلسطينية جيش الاحتلال، تجربةً مريرةً لنتنياهو وحلفائه في الحزب اليميني؛ حيث كان لها تأثير كبير على موقعهم في الجولة الرابعة من الانتخابات، إذ أدى إلى فوز الحزب المنافس.
من ناحية أخرى، فإن دراسة العوامل التي أدت إلى إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، يمكن أن تساعد أيضًا في العثور على إجابات للأسئلة المتعلقة بمستقبل هذه الاتفاقية.
بغض النظر عن الخطوات المختلفة وبالطبع الفاشلة التي تم اتخاذها خلال العقد الماضي لحل الخلاف الحدودي بين الجانبين، في المرحلة الحالية وكما يتضح من الأدلة وحسب اعتراف الدوائر والسلطات الإسرائيلية نفسها بشكل مباشر أو ضمني، فإن السبب الأكثر وضوحاً الذي دفع تل أبيب وواشنطن للموافقة على اتفاقية الحدود وفقاً لمطالب لبنان، هو التدخل المباشر للمقاومة في هذا الملف.
بعد التهديدات والموقف الحاسم لحزب الله والمعادلات التي وضعها السيد حسن نصر الله حول قضية الترسيم، وتحذيره الصهاينة من أي اعتداء على حقوق لبنان البحرية، اضطر الطرفان الأمريكي والصهيوني في النهاية إلى الإسراع في اتفاق ترسيم الحدود، لتجنب الدخول في مواجهة عسكرية مع حزب الله.
واللافت أن السياسيين الإسرائيليين ومجلس الوزراء في هذا الکيان صادقوا على الاتفاقية المذكورة تحت ضغط مكثف من الجيش والمؤسسات العسكرية، وهي الضغوط التي ستوجَّه إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة في المرحلة الحالية والمستقبلية.
إضافة إلى كل هذا، تشير المؤشرات إلى أن نتنياهو، بالنظر إلى التجربة المريرة للحرب مع قطاع غزة العام الماضي، ليس مستعدًا للدخول في أي توتر عسكري جديد بشكل مباشر على الأقل، وخاصةً ضد حزب الله، لأنه يعلم أن نتيجة أي حرب مع لبنان لن تكون لها نهاية سعيدة للکيان الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، من الواضح أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن الحدود البحرية للبنان وفلسطين المحتلة، لم يكن اتفاقًا مباشرًا بين الجانبين، وفي غضون ذلك ضمنت الولايات المتحدة التي لعبت دور الوساطة فيما يبدو التزام الجانبين بالاتفاق.
إن حكومة الولايات المتحدة، برئاسة جو بايدن، ومن خلال الإصرار على الاتفاقية المذكورة أعلاه، تسعى من جهة لحل جزء من أزمة الطاقة في أوروبا والولايات المتحدة، وتريد استغلال الغاز المدفون في البحر الأبيض المتوسط، ومن ناحية أخرى، في خضم الأزمة في أوكرانيا، لا يمكنها الدخول في أي توتر عسكري جديد.
لذلك، يعلم نتنياهو وأعضاء حكومته المستقبلية أن أي إجراء لخرق اتفاقية الحدود مع لبنان يعني مواجهة الحكومة الأمريكية، وبالنظر إلى المواقف التي اتخذتها إدارة بايدن منذ البداية بشأن اليمين الإسرائيلي ونتنياهو شخصيًا، فإن هذه المسألة يمكن أن تسبب توتراً في العلاقات بين الجانبين.
ولهذا، يتحدث اللبنانيون بثقة عن صمود اتفاق الحدود، ويعتقدون أن وصول نتنياهو إلى السلطة لا يؤثر على استمرار تنفيذ الاتفاق المذكور. وقال نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، إن الضمانات الأمريكية تعني أن لبنان لا يخشى احتمال إلغاء اتفاق الحدود الجديد مع الکيان الإسرائيلي إذا فاز بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية.
كما أعلن إلياس بو صعب، نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، والمكلف بقضية المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية للبنان وفلسطين المحتلة، في هذا الصدد: “لقد نوقشت مسألة ضمان تنفيذ اتفاقية الترسيم أثناء المفاوضات وبعد إبرامها، وتلقينا ضمانات كافية من الجانب الأمريكي بأن اتفاقية الترسيم لن يتم إلغاؤها بسهولة، وخروج أي من الطرفين من الاتفاق المذكور ستكون له عواقب على كلا الطرفين.”
وأضاف: “إذا كان نتنياهو يريد الانسحاب من اتفاقية الحدود مع لبنان فهو ينسحب عملياً من الاتفاق مع أميركا، لأن الاتفاقية المذكورة كانت اتفاقيةً بين أمريكا وإسرائيل من جهة، واتفاقيةً بين أمريكا ولبنان من جهة أخرى.”
وهکذا، لا يبدو أن التغييرات السياسية للکيان الصهيوني، على الأقل في المرحلة الحالية، لها تأثير على تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وخلاف ذلك سيواجه الإسرائيليون عواقب سلبية لا يمكن السيطرة عليها.
المصدر/ الوقت