لماذا لم يوافق التيار الصدري على المشاركة في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة
بعد الأحداث والصراعات التي شهدتها المنطقة الخضراء في بغداد، وعلى الرغم من الإعداد المستمر لإطار التنسيق الشيعي لتشكيل الحكومة مع مقتدى الصدر، فإنه لم يرفض هذا الطلب في مناسبات عديدة فحسب، بل أعلن أيضًا عن رفضه لهذه الحكومة بل سماها “حكومة بني العباس” والمشاركة فيها ممنوعة على أتباعه.
طبعا في الحكومة الحالية فإن منصب سكرتير مجلس الوزراء مازال بيد هذه الحركة ورغم ان هذا المنصب موروث من الحكومة السابقة فإن حميد الغزي وهو واحد. من الشخصيات المهمة في التيار الصدري ولكنه مازال يعمل في منصبه ولم يستقل من المشاركة فيما تسمى حكومة بني العباس! ولا ننسى أن محافظ النجف وهو صدري بقي في منصبه بمرسوم محمد شيعي السوداني.
ماذا كان اقتراح الإطار التنسيقي لتيار الصدر؟
وكما صرح قادة هذا الإطار طوال الوقت، فإن الإطار التنسيقي كان على استعداد لإعطاء نصف الوزارات الـ 12، التي هي من نصيب الاحزاب الشيعية حسب العرف السياسي في العراق، إلى التيار الصدري إضافة إلى أن منصب الامين العام لمجلس الوزراء وكذلك رئاسة البنك المركزي سيبقى في يدي هذا التيار وحتى أن الإطار التنسيقي كان قد بعث بالفعل برسالة الى الصدر أن محمد شياع السوداني مستعد للاستقالة إذا لم يرض هذا التيار.
من أجل فهم أهمية هذا الاقتراح بشكل أفضل، يجب أن نضع في اعتبارنا أن الإطار التنسيقي نوع من اللجان التي تتكون من 6 أحزاب على الأقل، وستستقبل هذه الأحزاب معًا 6 وزارات وفقًا لهذا الاقتراح، والتيار الصدري وحده يشكل النصف الاخر من هذا التجمع، ويأتي هذا بينما كان تيار الصدر نفسه عضوا في هذا الإطار التنسيقي. بصرف النظر عن حقيقة أن منصب أمين مجلس الوزراء الذي له تأثير في تعيين نواب الوزراء والمديرين العامين للوزراء، كان أيضًا من نصيب التيار نفسه!
ما أسباب معارضة الصدر لاقتراح العطار التنسيقي؟
كانت هذه الأسباب مرتبطة بمسألتين رئيسيتين: السبب الأول كان شرط الإطار التنسيقي عدم إعطاء مثل هذا الحصة الكبيرة في تشكيل الحكومة. في الواقع، صرح الإطار التنسيقي صراحة أن شرطهم الوحيد لإعطاء مثل هذه الحصة في تشكيل حكومة من قبل التيار الصدري هو انتخاب رئيس وزراء متفق عليه بينهم وبين التيار الصدري، وكذلك مسؤولية هذا التيار كغيره من الأحزاب السياسية عن النجاحات والإخفاقات، والحكومة التي يشكلها رئيس الوزراء ينتخبها الإطار التنسيقي والصدر. وبالطبع كل هذه الأعمال تمت وفق القواعد التي صممها الإطار التنسيقي.
لكن من ناحية أخرى، واجه التيار الصدري مشكلة مع قبول المسؤولية هذه، لأنه كان قادرًا بشكل أساسي على بدء احتجاجات في الشوارع ضد حكومة عادل عبد المهدي في 2018 بنفس تكتيك التملص من المسؤولية في تشكيل الحكومة. ونتيجة الاحتجاجات، اضطرت حكومة عادل عبد المهدي إلى الاستقالة، وفي الحكومة الحالية زادت حصة التيار الصدري في تشكيل الحكومة بشكل كبير. لكن مع الشرط الذي وضعه الإطار التنسيقي لهذا التيار، لم يعد بإمكان تيار الصدر أن يتولى موقف المعارضة للحكومة متى شاء.
كما أن هذا السيناريو برمته كان حسب الملعب الذي صممه الإطار التنسيقي للتيار الصدري، وبعبارة أخرى، كانت المبادرة لا تزال في أيدي الإطار التنسيقي، إلا أن التيار الصدري كانت لديه مشكلة مع أصل المبادرة، وطبعا عندما أرادت هذه الحركة تشكيل الحكومة، اقترح المشاركة في مجلس الوزراء وإعطاء الوزارات للإطار التنسيقي (باستثناء ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي)، لكن رفض الإطار التنسيقي هذا العرض.
السبب الثاني هو الوعود التي وعد التيار الصدري أتباعه بها. في الواقع، قبل انتخابات 2021، وعد هذا التيار مؤيديه وشيعة العراق بأنه إذا فاز بـ 100 مقعد في البرلمان، فإنه سيشكل حكومة بمفرده، ولن يكون هناك حزب فاسد (بالطبع، وحسب تفسير هذا التيار فإن الأحزاب الفاسدة (والتي بطبيعة الحال لم تشمل نفسها) لن تشارك. ورغم أن هذه الحركة في النهاية لم تفز بـ 100 مقعد، إلا أنها تمكنت من الفوز بنحو 73 مقعدًا، وهو ما شكل انتصارًا كبيرًا في التاريخ السياسي لهذه الحركة في النظام العراقي الحالي.
الآن، إذا قبل التيار الصدري المشاركة في الحكومة مع العطار التنسيقي، وعلى الرغم من أنه كان سيقلل قليلاً من خسائره السياسية الأخيرة في مجال السلطة، لكن على المدى الطويل، كان مثل هذا الإجراء سيخيب الآمال، وسيشعر أنصاره بأنه نكث بوعوده لهم، لأنه في مثل هذه الحالة ستظهر هذه الحركة وكأنها تشكل حكومة مع من سمتهم بالفعل فاسدين.
ما هي الخطة الحالية للمستقبل؟
على الرغم من إعلان مقتدى الصدر اعتزاله السياسة بعد تنحي آية الله الحائري، ولكن مع مناصبه السياسية العديدة في الفترة الأخيرة، يمكن القول إنه على الأقل عاد إلى السياسة كزعيم سياسي مؤثر في الآلية السياسية القائمة لم يتم تأكيده بعد. لهذا السبب، وبعد قرار هذا التيار بعدم المشاركة القوية في الحكومة الحالية، من الممكن التنبؤ ببرنامج هذا التيار وفق المعطيات الحالية من وجهة نظر سياسية قصيرة، متوسطة وطويلة المدى في المستقبل.
على المدى القصير، سيراقب هذا التيار أداء حكومة السوداني. في الواقع، على الرغم من التزام التيار الصدري بالصمت نوعًا ما تجاه حكومة السوداني في الوقت الحالي، إلا أن صمتهم ليس بسبب الرضا، ولكن بسبب عدم مشاركة الطبقة الرمادية والشبابية المعروفة بـ “حركة تشرين” في احتجاجات التيار الصدري الأخيرة في المنطقة الخضراء ببغداد، وبهذا كان واضحا أن غالبية الشيعة العراقيين كانوا على استعداد لإعطاء فرصة لحكومة السوداني. لهذا السبب، وبعد فشل احتجاجاته الأخيرة لا يريد الصدر أن يتحرك بشكل فردي، ويفضل الآن أن يرى كيف سيكون أداء حكومة السوداني من وجهة نظر المجتمع. وإذا فشلت هذه الحكومة فمتى ينفد صبر الناس؟
على المدى المتوسط ، وبالنظر إلى مطالبة هذا التيار بإجراء انتخابات مبكرة أخرى والاتفاق المبدئي لجميع التيارات السياسية العراقية، فضلا عن ذكر هذه المسألة في خطة حكومة السوداني، ينبغي لهذا التيار أن يفكر في الاستعداد لهذه القضية من الآن. وبالطبع تشمل هذه الاستعدادات ردود فعل هذا التيار على امكانية تغيير قانون الانتخاب الذي استفادوا منه، وكذلك تغيير هيئة المسؤولة عن الانتخابات.
ولكن على المدى الطويل، وبالنظر إلى الأنشطة الأخيرة لمقتدى الصدر، وخاصة خطبته الأخيرة في صلاة الجمعة في الكوفة، وكذلك انسحاب آية الله الحائري من مرجعية التيار، يبدو أن قيادة هذه الحركة تسعى إلى استعادة المكانة الدينية والاجتماعية للحركة الصدرية. لأنه خلال السنوات الـ 19 الماضية، ابتعد هذا الاتجاه، بدخوله القوي إلى الساحة السياسية والكفاحات المسلحة قبل ذلك، بشكل كبير عن الموقف الديني والاجتماعي الذي أسسه لهم آية الله السيد محمد صدر، إلى النقطة التي وصل فيها للاحتجاجات الأخيرة في المنطقة الخضراء ببغداد، حيث كان أحد أسباب عدم انضمام الناس إليهم، أن “هذه الحركة تسعى فقط لأهدافها السياسية، بينما هي نفسها أحد عوامل الوضع المحزن في العراق”.
لهذا السبب يبحث مقتدى الصدر زعيم هذه الحركة عن إعادة بناء الموقف الديني والاجتماعي لحركته، حتى يتمكن بعد ذلك من التحرك مرة أخرى لتحقيق هدفه، أي الحكم السياسي الشامل للشيعة، وإذا أمكن، للعراق.
المصدر/ الوقت