الامن اللبناني يوقف عميل متطوع للاستخبارات الصهيونية
وكالات ـ الرأي ـ
أوقف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني فريد ح. (من مواليد عام 1976 في بلدة عين وزين – قضاء الشوف) بشبهة التعامل مع استخبارات كيان الاحتلال الاسرائيلي.
مع تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، «علق» فريد في شبكة الموساد الإسرائيلي، وفق النمط الجديد الذي باتت الاستخبارات الإسرائيلية تتبعه أخيراً لتجنيد عشرات العملاء عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلّة حاجة عدد كبير من هؤلاء للعمل، في ظل الظروف المعيشية الصعبة. الرسائل التي عُثر عليها على تطبيق «تيليغرام» تشير إلى أن أول تواصل بين فريد ومشغّله الإسرائيلي كان في 25 نيسان 2021. غير أن تحقيقات فرع المعلومات بيّنت أنّ التواصل يعود إلى قبل هذا التاريخ بسنة ونصف سنة، وهو ما اعترف المشتبه فيه بعد سؤاله عن رسائل متبادلة تم مسحها. غير أن اللافت أن الموقوف الذي ضُبطت في حوزته بطاقة انتساب إلى الحزب التقدمي الاشتراكي وأخرى إلى جماعة ماسونية، زعم أمام المحققين بأن كل ما تقاضاه عن «الخدمات» التي قدّمها لمشغّله طوال فترة عمالته لم تتجاوز 1000 دولار!
قدّم فريد الحائز على إجازة في إدارة الأعمال عشرات طلبات التوظيف عبر مواقع إلكترونية، من بينها صفحة Libra على موقع «فايسبوك» التي نشرت إعلاناً عن حاجتها إلى موظفين مجازين في إدارة الأعمال. أرسل المشتبه فيه رسالة إلى «أدمين» الصفحة سائلاً عن فرصة عمل، «وبعد أسبوع، تلقيت جواباً يطلب سيرتي الذاتية. بعد أسبوعين من إرسال السيرة، وردتني رسالة عبر الواتساب من رقم أجنبي تبيّن من خلال برنامج truecaller أنه باسم صفحة libra الرقمية. سألني المتصل، باللغة الإنكليزية، إن كنت مهتماً بإيجاد عمل، وسألني ما إذا كنت ضليعاً في تجميع البيانات (Database)». طلب المتصل من فريد ضرورة أن يكون في حوزته «لابتوب» وهاتف مخصصان للعمل حصراً، «أخبرته أن لا قدرة لديّ على شراء هاتف جديد، فقال إنه سيُرسل لي ثمنه. وبالفعل، بعد أسبوع، أرسل لي حوالة مالية. اشتريت الهاتف وأرسلت له صورته، فطلب مني خطاً شرط أن لا أستخدم هويتي».
أول طلب للمشغّل من فريد كان حول ما إذا كان قادراً على الحصول على رقم رحلة طيران أي مسافر في حال تزويده باسمه فأكد المشتبه فيه عدم قدرته على ذلك لعدم معرفته بأي شخص يعمل في المطار. بعد فترة قصيرة، طلب المتصل من فريد شراء شريحة هاتف ثانية من دون هوية وتزويده بالرقم. «وبعدما زودته برقم الشريحة الجديدة، أرسل لي حوالة مالية بقيمة 100 دولار». وفي المرة الثالثة طُلب من الموقوف تصوير مداخل مركز spot التجاري في صيدا وإرسال الصور إلى المشغّل عبر تطبيق تيليغرام. طوال هذه الفترة، اقتصر التواصل مع المشغّل على الرسائل المكتوبة «وكان يتجنب الإجابة على أية أسئلة أطرحها عليه تتعلق بمكان وجوده واسمه وطبيعة عمله»، و«لأنه وعدني بأن يؤمن لي وظيفة دائمة خارج لبنان كنت أذكره بالوظيفة الموعودة بين فترة وأخرى».
المهام التي أوكلت إلى فريد في هذه المرحلة تضمّنت شراء ثلاث شرائح خطوط خلوية من دون هوية وإرسالها إلى الخارج، وتصوير مداخل مراكز تجارية، والاستقصاء عن شخص فلسطيني الجنسية وسكنه ونوع السيارة التي يستخدمها ورقمها، وتأمين معلومات عن أصحاب لوحات سيارات. وبعد كل مهمة، كان المشغّل يطلب من الموقوف إزالة الشريحة من الهاتف وإطفاءه تماماً وعدم استخدامهما على الإطلاق.
في التحقيق معه، أبلغ الموقوف المحققين أن شكوكاً ساورته بأنه ربما يعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي «بعدما أرسل لي حوالات مالية من بلدان عدة وبأسماء مختلفة ونظراً لطبيعة المهمات التي طلبها مني». رغم ذلك، «قبلت بتزويده بما طلبه طمعاً بالمنفعة المادية بسبب سوء أوضاعي». وفي بداية التحقيق قال الموقوف إنه لم يخبر أحداً بالأمر «خشية تورطي في مشاكل قانونية وتجنباً لافتضاح أمري لعلمي بأنّي أتواصل مع جهاز استخبارات معاد». غير أنه زعم في مرحلة أخرى من التحقيق أنه لم يبلغ أي جهازٍ أمني، «لأنني قرّرت التريث إلى حين الحصولِ على أدلة إضافية لجهة هوية الجهة الأمنية المعادية التي يمثلها… كما أن الظروف التي تمرُّ بها البلاد وغياب موظفي القطاع العام عن مراكز عملهم على الدوام الاعتيادي حالت دون الإبلاغِ عن حقيقةِ ما يحصل معي».
غير أن ذلك يدحضه اعترافه بأنه اقترح على مشغّله استخدام عملة الـ bitcoin الرقمية كوسيلة للدفع وأبلغه أنّها طريقةٌ أكثر أماناً للدفع، فأجابه المشغل بأنه «سيهتم بالأمر»، ما يؤكد أنه كان على يقين بأن ما يقوم به مخالفاً للقانون وكان يسعى عبر طرح فكرة الـ bitcoin إلى إخفاء تعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية.
غير أن اللافت في المحادثات بين الموقوف ومشغّله هو الاندفاع الذي أبداه المشتبه فيه بما يتعدّى المطامع المالية. إذ إن فريد كان هو من يبادر بالتواصل ويسأل عن مزيد من المهام. وفي إحدى المحادثات التي عُثر عليها، عبّر الموقوف عن رغبته بتعميق العلاقة، وكتب له: «أريد العمل معك شخصياً، وأن أكون صندوقاً أسود لك ويدك اليمنى، وأن أحافظ على أسرارك». وفي رسالة أخرى، تمنّى على مشغّله أن يتواصل معه بشكل يومي. وفي محادثة، في 28 أيلول 2021، طلب المشغّل فيها من المشتبه فيه أن يرسل إليه «نوع الأعمال والأفكار التي بإمكانك تنفيذها»، وعما إذا كانت لديه علاقات مع أشخاص آخرين خارج لبنان يمكنهم العمل لمصلحة المشغّل.
وقال المشتبه فيه إن المشغّل سأله عن إمكان الحصول على بيانات لوحاتِ السيارات لمدينة كاملة من دون أن يُسمّيها عارضاً أن يدفع له 100 دولارٍ مقابلها، فأخبره فريد بأن ذلك غير ممكن لكون الجهاز لا يعمل بهذه الطريقة. وعرض عليه في المقابل شراء برنامج يكشف عن معلومات عن أصحابِ أرقام السيارات مقابل 12 ألف دولار، فلم يوافق المشغل. علماً أن آخر تواصل بين الطرفين كان قبل توقيف فريد ح. بيومين فقط!
التحقيقات مع الموقوف قادت فرع المعلومات أيضاً إلى توقيف رزق الله أ. (مواليد حلب عام 1976، قدم إلى لبنان عام 2012، ويقيم في منطقة الدورة)، وهو متخصص في برمجة الكمبيوتر ويحمل شهادة في الإخراج التلفزيوني. أنشأ على تطبيق تيليغرام قناة باسم bingo تُعنى بأخبار العملات الرقمية وبيعها وشرائها، كونه ملمّاً بهذا المجال ويتقاضى حوالات مالية من زبائن من بلدان عربية وأجنبية.
التحقيقات مع الموقوف قادت إلى توقيف شاب حلبي يعمل في العملات الرقمية
وتبيّن من التحقيقات أنّ فريد ح. تسلم أكثر من حوالة مالية عبر رزق الله أ. الذي أبلغ المحققين أنه يذكر أنه أرسل «حوالتين ماليتين بالدولار لشخص يدعى فريد ح. بناء لطلب شخص تعرفت إليه عبر الإنترنت». وفي التفاصيل، أوضح «أنني أثناء تصفحي لموقعِ olx بحثاً عن وظيفة، وجدت إعلاناً باللغة العربية عنوانه: يلزمُنا شخص لديه دراية ومعرفة بالعملات الرقمية من أجل عملٍ خاص». بعد التواصل مع المعلن أبلغه الأخير أنّه يفضل الحديث عبر تطبيق «ماسنجر»، وزعم أنه يُمثّل شركة تُعنى بإرسال عملة بيتكوين إلى عملائها في الشرق الأوسط، على أن يتولى المتعاون مع الشركة إرسال أموال نقدية بالدولار عبر حوالة مالية لأشخاص آخرين محددين من قبل الشركة. ولدى سؤال رزق الله المعلن عن اسمه وجنسيته، «قال إنه يدعى علي وإنه يقيم في المملكة المتحدة»، وعرض عليه تقاضي عمولة لقاء خدماته «فلم أمانع». وأشار إلى أن المدعو «علي» كان يتواصل مع رزق الله عبر ماسنجر باسم LIBRA، وهي الصفحة نفسها التي جنّدت فريد. وأضاف أنه لاحظ بعد أيام أن «علي» ألغى حسابه على «فايسبوك».
وأنكر رزق الله أن يكون على معرفة شخصية بفريد ح.، «حتى أنّني لا يمكن أن أتعرف إليه في حال شاهدته». ورداً على تساؤل حول إرساله حوالات مالية لشخص ليس على معرفة به، برّر ذلك بأنه كان «بهدف الاستفادة المادية».
ورغم إطلاق سراح رزق الله، إلا أن قاضي التحقيق العسكري أصدر مذكرة توقيف غيابية بحقه بعدما تخلّف عن الحضور إلى جلسة استجواب.انتهى