عشية الذكرى الثالثة لاستشهاد قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس
مع تنصيب رئيس وزراء العراق الجديد محمد شياع السوداني الذي استطاع تشكيل حكومة بدعم كامل من فصائل المقاومة، فإن التحقيق في القضايا الكبيرة المغيبة في السنوات الماضية تم استئنافه. وفي هذا الصدد تمت إعادة فتح إحدى هذه القضايا، وهي الأهم بالنسبة لجماعات فصائل المقاومة، وهي قضية اغتيال قادة المقاومة الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في مطار بغداد الدولي في كانون الثاني 2020، والتي لا تزال مهملة إلى حد كبير.
انتهت مدة حكم مصطفى الكاظمي في الحكومة المؤقتة السابقة، ولكنه لم يبذل الكثير من الجهد لإنهاء ملف التحقيق مع منفذي اغتيال قادة المقاومة، والآن تحاول الجماعات السياسية استئناف التحقيق في هذه القضية ومحاسبة الجناة بعد ثلاث سنوات من الحادث. في هذا الصدد ادعى فاضل موات الزرجاوي، عضو ائتلاف حكومة القانون العراقية، أنه في المرحلة المقبلة سنشهد إصدار مذكرة توقيف بحق مصطفى الكاظمي بتهمة التورط في اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، مصطفى الكاظمي موجود الآن في بغداد في المنطقة الخضراء وهو تحت حماية السفارة الأمريكية. وأكد ممثل فصيل صادقون في مجلس النواب العراقي أن الكاظمي لم يرد على جميع الأسئلة في هذا الشأن ويبدو أنه تواطأ مع الأمريكيين. وقال هذا المندوب العراقي انه خلال فترة حكم الكاظمي كانت هناك عمليات تستر على هذه القضية، وبعض الادلة تشير الى قيام ضباط في حكومة الكاظمي بالمماطلة والتستر عليها.
ومؤخرا، قدم 76 نائباً عراقيا في رسالة إلى محكمة الكرخ العراقية شكوى ضد الجناة الرئيسيين في عملية الاغتيال، والكاظمي كان أحدهم. يذكر في هذه الشكوى أنه بعد الرئيس السابق دونالد ترامب ومايك بومبيو وزير الخارجية السابق للولايات المتحدة، أمر الكاظمي باغتيال قادة النصر بطائرة مسيرة في العراق. في هذه الشكوى، تمت الإشارة إلى انتهاك القوانين الدولية وإثارة الرعب بين المواطنين، وكذلك استخدام الأسلحة المحظورة في هذه الجريمة. وقال الزرجاوي إننا نريد اتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد المتهمين.
اتهام الكاظمي بالتورط في اغتيال قادة المقاومة جاء من ناحية كونه رئيس المخابرات العراقية في ذلك الوقت، ومنذ البداية وجهت قوى المقاومة أصابع الاتهام إلى الكاظمي. حيث كانوا يعتقدون أن المعلومات الاستخباراتية أعطيت للأمريكيين من داخل الحكومة العراقية، ولعب الكاظمي دورًا رئيسيًا في هذه القصة. وعلى الرغم من أن الكاظمي نفى أي تورط له في هذا الاغتيال، إلا أنه كان دائمًا على قائمة المتهمين من الدرجة الأولى، وكان قادة الحشد الشعبي ينظرون إليه دائمًا بريبة.
أول من طرح تورط الكاظمي في اغتيال قادة المقاومة يهودي عراقي كان موظفا أمنيا في النظام الصهيوني، لكن العراقيين لم يتمكنوا من الاعتماد على أقوال هذا الشخص الذي أفشى الموضوع تحت اسم مستعار، لكن العراقيين أضافوا الكاظمي إلى قائمة الجناة الرئيسيين في هذا الأمر.
ورأت مجموعات المقاومة أن الكاظمي، بصفته رئيس المخابرات العراقية، علم بهذه الواقعة وقدم معلومات عن رحلة سليماني وأبو مهندس إلى الأمريكيين. في يوم الاغتيال، أفاد العراقيون بأن طائرات أمريكية دون طيار كانت تحلق في سماء العراق لعدة ساعات، ما يشير إلى أن البنتاغون كانت لديه معلومات مفصلة عن رحلة القادة إلى بغداد، ونتيجة لذلك، تعززت الفرضية القائلة بأن سلطات المخابرات كانت متورطة في ذلك، وقدمت معلومات إلى البيت الأبيض.
مماطلة الكاظمي في التعامل مع قضية الاغتيال
صرح العديد من القادة العراقيين مرارًا وتكرارًا أن الكاظمي كان اختيار أمريكا لمنصب رئيس الوزراء وتولى منصبه بدعم من البيت الأبيض. انتخب الكاظمي رئيساً للوزراء بعد ثلاثة أشهر فقط من اغتيال قادة المقاومة، وخلال السنوات الثلاث الماضية ارتبط بطريقة ما بالسياسات الأمريكية في العراق، ورغم مطالبة البرلمان العراقي بإخراج القوات الأمريكية وبدلاً من تطبيق هذا القرار بالاتفاقات التي أبرمها مع مسؤولي واشنطن، تمدد وجود القوات الأجنبية بشكل فعال خلال لسنوات قادمة.
ورغم أن العراقيين طالبوا بتحقيقات مكثفة في اغتيال قادة المقاومة وطالبوا حكومة الكاظمي بالتحقيق في هذه القضية في أسرع وقت ممكن، إلا أن الكاظمي، وبسبب وقوع هذه الحادثة قبل توليه رئاسة الوزراء، كان يتجاهل القضية دائمًا وأكد لإيران على ما يبدو أنه سيعاقب الجناة الرئيسيين، لكنه في الممارسة العملية لم يتخذ أي إجراء في هذا الصدد حتى انتهاء فترة ولايته كرئيس للوزراء.
وقد أعلنت إيران مرارًا عن استعدادها للتحقيق في هذه القضية، وحتى ديسمبر الماضي، سافر وفد من المسؤولين القضائيين برئاسة المدعي العام لطهران إلى بغداد وعقدوا اجتماعاً مشتركاً مع قضاة عراقيين، وفي البيان الختامي أكدوا على محاكمة ومعاقبة الجناة الرئيسيين باغتيال قادة النصر.. لكن الحكومة العراقية لم تجر أي تحقيق في هذه القضية.
حقيقة أن الكاظمي جالس الآن في السفارة الأمريكية يظهر أنه قلق من توضيح الحقائق والجوانب الخفية للقصة، لأن الرأي العام العراقي والتيارات السياسية تطالب بمحاكمة مرتكبي هذه الجريمة الرئيسيين. وفي هذه الحالة لن يظهروا أي تسامح.
في انتظار حكومة السوداني
ولعل أحد أسباب تولي الكاظمي رئاسة وزراء العراق بعد أشهر قليلة من اغتيال قادة المقاومة هو أنه كان يحاول أن يصبح رئيسًا للحكومة ويعلن إغلاق القضية. حيث كان بإمكانه التأثير في هذه القضية كرئيس للوزراء وعدم السماح بنشر تفاصيلها. لكن الآن وبعد أن تولى السوداني السلطة وباعتباره شخصية قريبة من المقاومة، فقد وعد بأنه سيبذل قصارى جهده في هذا المجال. بعد أن تولى السوداني السلطة، أعلن تحالف فتح العراقي أن الحكومة الجديدة ستتابع اغتيال قادة النصر وستحاكم دونالد ترامب ومرتكبي هذه الجريمة الآخرين. وتتوقع تيارات سياسية عراقية أن تستكمل حكومة السوداني القضية في الذكرى الثالثة لاغتيال قادة المقاومة حتى تنكشف الحقيقة للجميع.
على الرغم من أن بعض التيارات السياسية العراقية تحاول نسيان قضية اغتيال قادة المقاومة، إلا أن العراقيين وقوات المقاومة يحيون كل عام مراسم إحياء ذكرى هؤلاء الشهداء بأروع ما يمكن لإظهار أن هذا الجرح لم يتلاشَ وهم ما زالوا يذكرون تضحيات قادتهم. في الأيام الأخيرة، عشية الذكرى الثالثة لشهداء المقاومة، أقام العراقيون مراسم إحياء لقادة النصر، وطرد موظفي السفارة الأمريكية في بغداد الذين ينوون المشاركة في هذا الاحتفال، وهذا يدل على أن العراقيين حريصون بشكل خاص على هذا الأمر، وهم لا يقبلون أي مجاملات.
وبما أن السوداني خالٍ من أي تهم في هذه القضية، فمن المتوقع أن يبدأ التحقيق في هذا المجال قريبًا. الحكومة العراقية الجديدة بصدد تطبيق قانون انسحاب الأميركيين من هذا البلد، وهذه المرة العراقيون جادون بأن يغادر المحتلون أرضهم.
بينما حاولت حكومة الكاظمي صرف الأنظار عن هذه القضية بإخفاء التحقيق في اغتيال قادة المقاومة، إلا أن فصائل المقاومة العراقية لم تتراجع أبدًا عن هذا الموضوع وتحاول بكل قوتها استكمال هذا التحقيق، والآن بعد أن تولت حكومة السوداني السلطة، أحيت الآمال في إجراء تحقيق مفصل في هذه القضية.
المصدر/ الوقت