زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان… الرسائل والأهداف
أدى الفشل في انتخاب رئيس جديد في لبنان بسبب الخلافات السياسية، إلى حرمان بيروت من حكومة جديدة لأشهر بعد إجراء الانتخابات النيابية، وسيؤدي الارتباط بين الأزمة السياسية والاقتصادية، إلى زيادة التحذيرات المقلقة بشأن الاستقرار المستقبلي لهذا البلد المهم في المنطقة.
وفي مثل هذه الظروف، توجه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، لإبلاغ سلطات هذا البلد وشعبه بدعم طهران الثابت لاستقرار لبنان، واستعدادها للمساعدة في حل الجمود السياسي في انتخاب رئيس الجمهورية، والرغبة في تطوير التعاون الثنائي بما يتماشى مع مصالح الجانبين.
من جهة أخرى، فإن تصاعد التوترات في فلسطين المحتلة والضفة الغربية، وخاصةً بعد المخاوف الإقليمية من مغامرات الحكومة المتطرفة الجديدة للکيان الصهيوني، فيما يتعلق بقضايا مثل الاعتداءات المتكررة على القدس الشريف، وكذلك مواقف هذه الحكومة من اتفاقية الغاز مع لبنان، يزيد من أهمية زيارة أمير عبد اللهيان إلی لبنان.
استمرار دعم طهران لاستقرار لبنان
لبنان بلد له إحداثيات سياسية وديموغرافية فريدة في غرب آسيا، وأصبحت تطوراته ساحةً لتنافس القوى الإقليمية والخارجية المختلفة.
حتى في السنوات الأخيرة، أدى الجمع بين مختلف الأزمات الاقتصادية والسياسية، إلى خلق حالة أصبح فيها تدخل القوى الأجنبية وتأثيرها أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.
في غضون ذلك، خلال الأسابيع الماضية، ومع فشل سلسلة الجلسات المتتالية لمجلس النواب في انتخاب رئيس الجمهورية، تسعى فرنسا والسعودية والولايات المتحدة لعقد اجتماع لتقريب وجهات النظر في ألاعيبها السياسية في هذه القضية.
في غضون ذلك، وصف حزب الله وحلفاؤه في المقاومة اللبنانية، الذين لا يزالون يمتلکون اليد العليا في البرلمان، تجاوزات الجماعات المنافسة المدعومة من التدخل الأجنبي، بأنها العقبة الرئيسية أمام إنهاء المأزق القائم.
حالياً، يجري السباق على المقعد الرئاسي، الذي يخصّ المسيحيين الموارنة حسب الدستور، بين التيار الوطني الحر، حليف حزب الله، وحزب القوات اللبنانية المدعوم من السعودية.
في غضون ذلك، اتبعت إيران دائمًا، بصفتها لاعبًا إقليميًا مهمًا، سياسة الدفاع عن استقلال لبنان السياسي وسلامة أراضيه، وتری أن استمرار الجمود السياسي القائم في خضم الأزمة الاقتصادية في لبنان، هو على حساب السلام والاستقرار في لبنان والمنطقة ولصالح الکيان الصهيوني فقط، وبالتالي يمكن أن تكون زيارة أمير عبد اللهيان خطوةً نحو لعب دور في تسهيل شروط الاتفاق السياسي بين المجموعات اللبنانية.
وفي هذا الصدد، قال حسين أمير عبد اللهيان في مؤتمر صحفي مشترك مع عبد الله بو حبيب وزير خارجية لبنان في بيروت: “ندعو جميع التيارات السياسية في لبنان للتحرك على طريق الحوار والاتفاق في أسرع وقت لانتخاب رئيس لهذا البلد، وإتمام العملية السياسية في لبنان.”
من ناحية أخرى، خلقت القضية الاقتصادية في لبنان تحديًا خطيرًا لسبل العيش والظروف المعيشية الطبيعية في هذا البلد، ولا سيما في قطاع الطاقة والوقود، وتحمل زيارة أمير عبد اللهيان رسالة دعم إيران حكومةً وشعباً للشعب اللبناني في ظروف الشتاء القاسية.
کما أكد أمير عبد اللهيان أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت وستظل صديقةً للبنان في أوقاته الصعبة، وأضاف: “إن إيران مستعدة لبناء محطات طاقة يحتاجها لبنان، في إطار الاتفاق الذي سيبرم مع التسهيلات والتكنولوجيا المتفوقة.”
في العام الماضي، وفي أعقاب أزمة الوقود الكبيرة في لبنان وعدم قدرة الحكومة اللبنانية على توفير الوقود، حالت إيران دون تصعيد الأزمة بإرسال سفن محملة بالوقود بناءً على طلب رسمي من هذا البلد.
في الحكومة الإيرانية الجديدة، وضعت إيران الدبلوماسية الاقتصادية وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بما يتماشى مع الشراكات السياسية، ولا سيما مع جيرانها البعيدين والقريبين، على رأس أولويات سياستها الخارجية. وبطبيعة الحال، يمكن أن يكون لبنان سوقًا جيدًا لسلع وخدمات مختلف الشركات الإيرانية، والرحلات الدبلوماسية هي فرصة لمعرفة المزيد عن إمكانات التعاون الاقتصادي الثنائي.
لبنان لديه اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، ويمكن أن تكون هذه الاتفاقية وسيلةً لتطوير صادرات إيران إلى الدول الأخرى من خلال إقامة شراكات اقتصادية.
لقد انخفض حجم صادرات إيران إلى لبنان خلال الأعوام 2019 إلى 2021 بشكل كبير، ووصل إلى أقل من 30 مليون دولار، وهو رقم ضئيل في واردات لبنان بنحو 11 مليار دولار.
ويری الخبراء أن إنشاء صندوق ضمان الصادرات، والحضور المباشر للتجار وإنشاء سلسلة متاجر كبيرة، هي من بين القدرات المتاحة لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين.
القضايا الأمنية والإقليمية
شهدت زيارة أمير عبد اللهيان إلى لبنان، في ظل الأوضاع المتوترة في الضفة الغربية، لقاءً مهماً مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد نخالة.
ومن هذا المنظور، فإن الاجتماع الثلاثي لمحور المقاومة(طهران، حزب الله والجهاد الإسلامي)، يبعث برسالة حاسمة لقادة الکيان الصهيوني بالاستعداد الكامل لأي سيناريو، الذين تسببوا في الأسابيع الماضية في التهابات وتوترات في الضفة الغربية بأعمال متهورة وعدوانية.
وفي هذا الصدد، شدد وزير الخارجية الإيراني على “أننا نعتبر أمن لبنان من أمن إيران والمنطقة”، وقال: “تواصل إيران دعمها القوي لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين ضد غطرسة الکيان الصهيوني”.
من ناحية أخرى، توضح هذه الزيارة أيضًا، للأصدقاء والأعداء على حد سواء، عدم فعالية الخطط الدعائية المكثفة للجبهة الغربية والعربية والعبرية لتقويض قوة إيران الإقليمية، من خلال إثارة بعض أعمال الشغب في الأشهر القليلة الماضية.
المصدر/ الوقت