کيف انهار النظام البهلوي في إيران خلال عشرة أيام
يعرف التاريخ دائمًا الثورات العظيمة بقادتها. القادة الذين، بآرائهم وأفكارهم السياسية، وخصائصهم الكاريزمية الفريدة، والقدرة على قيادة الحركة، لم يتسببوا فقط في تغييرات وتحولات جوهرية في مجتمعهم، بل أثروا أيضًا على عصرهم.
قادة وزعماء مثل لينين في روسيا، روبسبير في الثورة الفرنسية، ماو في الصين، نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، غاندي في الهند، فيدل كاسترو في كوبا، والذين کانوا علی هذه الشاکلة.
في غضون ذلك، تمكن شعب إيران، الذي يحتفل بثورته الإسلامية هذه الأيام، قبل 43 عامًا، بقيادة زعيم ديني كبير، من الإطاحة بحكومة بهلوي الديكتاتورية، وبدء تغييرات كبيرة في الساحة العالمية.
هذه العملية التي بدأت في الستينيات مع انطلاق الحركة الإسلامية للإمام الخميني(رحمه الله)، في فبراير 1978 أي في ذروة قدرة نظام الشاه وتمتعه بالدعم الأمريكي، وصلت إلى انتصار لا يُصدق.
إن الحركة التي رعاها الإمام الخميني(ره) وقادها بعد الثورة، وفقًا للمحللين الغربيين والشرقيين، كانت من أهم الأحداث الحاسمة في مسار التطورات العالمية في العقود الأربعة الماضية. حيث تُعرف إيران اليوم بأنها أحد اللاعبين الرئيسيين في الانتقال إلى النظام العالمي الجديد بعد تراجع هيمنة أمريكا والعالم الغربي.
لطالما كانت دراسة الآراء والأفكار الروحية والمعادية للاستکبار لمؤسس الثورة الإسلامية الإيرانية في مركز الاهتمام؛ لأنه لا يمكن إنكار آثارها على الصحوة الإسلامية في جزء كبير من جغرافية الدول الإسلامية، وكذلك تقديم خطاب جديد وخطة خطاب بديلة لحل مشاكل البشرية اليوم، في ظل الديمقراطية الدينية وإحياء دور الدين في الحياة العصرية.
وعلى حد تعبير “أودو شتاينباخ” مدير المعهد الألماني للدراسات الشرقية: “الإمام الخميني، وهو الزعيم الروحاني الأكثر سياسياً في العالم، بشخصية جذابة وكاريزمية، فإن كل المثل العليا للجمهورية الإسلامية، التي تقوم عليها، متجذرة في أفكاره”.
في غضون ذلك، فإن أداء الإمام الخميني(رحمه الله) الحكيم، وقدرته علی التعبئة والتوحيد والقيادة في عشرة أيام من 12 فبراير إلى 22 فبراير، والتي حققت الثورة خلال فترة وجيزة، هي سمات لم تتوافر سوى لدی عدد قليل من القادة الثوريين.
كان الإمام الفقيد قائداً مدبراً وشجاعاً وواعياً ومدركاً للعصر والقضايا العالمية، وقد قاد أكبر ثورة في التاريخ المعاصر من خلال الاستفادة من الأساليب الجديدة والمبتكرة.
في تاريخ إيران المعاصر، تم تشكيل حركات أخرى، ولكن بسبب عدم وجود قائد كفوء وقادر مثل الإمام الخميني، لم يحققوا النتيجة المرجوة.
من أهم مظاهر دور الإمام الخميني في تسريع مسار الثورة وإنجازها في فبراير 1978، كان إصراره على القدوم إلى إيران رغم التحذير المستمر من مخاطر هذا العمل من قبل المحيطين به.
يقول الدكتور صادق طباطبائي في مذكراته: “إن مسألة انحراف مسار الطائرة التي کانت تقل الإمام أو احتمال إسقاطها، کانت من القضايا التي تعامل معها القادة العسكريون، بل إنهم أعدوا أنفسهم لمذبحة دموية واسعة النطاق بحق الشعب في حال حدوث ذلك، وتمردهم الذي لا يمكن السيطرة عليه”.
لکن الإمام الخميني، ودون أن يخشى علی نفسه، توجه إلی إيران من أجل الهدف العظيم الذي كان يسعى إليه لإدارة عملية الثورة عن كثب، وقيادة المجتمع في مواجهة المؤامرات والخطط المستمرة التي کانت تصممها حكومة بختيار والسفارة الأمريكية للحيلولة دون نجاح هذه العملية.
من جهة أخرى، الإمام الخميني(رحمه الله) بوجوده في إيران ووصفه حكومة بختيار بأنها غير شرعية، أعطى قوةً كبيرةً للحركة الثورية، حتی ينجذب المزيد من الناس إلی الثورة عبر الإيضاحات المستمرة حول أهدافها أولاً، وثانيًا فإن الفجوة في الحكم وانفصال أجزاء من القوى السياسية والعسكرية عن هيئة الحكومة والجيش، تجعل الحكومة غير قادرة على السيطرة على الوضع.
على سبيل المثال، يمكن أن نذكر إصدار الإمام الخميني أمراً بعدم الانصياع للحكم العسكري من قبل الشعب، ثم الأمر بمغادرة الثكنات من قبل العسكريين والجنود وانضمامهم إلی الثورة، أو الاجتماع بقادة القوات الجوية ثم إرسال أشخاص لمساعدة عناصر القوة الجوية الذين هاجمتهم قوات الحرس الوطني لنظام الشاه.
كذلك، فإن المكانة الدينية العالية للإمام الخميني كمرجع تقليد وقائد ديني عظيم، الأمر الذي دفع غالبية المجتمع إلى قبوله كقائد للثورة، استطاعت أن توحد كل التيارات والأحزاب السياسية ذات الأيديولوجيات والأذواق المختلفة تحت خيمة واحدة كدعامة قوية.
وفي الواقع، تسببت الشعبية الكبيرة للإمام الخميني(رحمه الله) وقبوله من قبل جميع فئات الشعب، في توحيد جميع الأحزاب والتيارات حوله.
کما كان بناء المؤسسات الثورية جزءًا آخر من الإجراءات التي عجلت عملية الثورة بوجود الإمام الخميني في إيران. الفوضى والاضطراب بعد الثورة ظاهرة محتملة، ومن الممكن أن يتم التضحية بالأبرياء في وقت قصير بعد الثورة، ويعود النظام السابق إلى السلطة بطريقة مختلفة.
بناءً على ذلك، يفكر القادة الثوريون في إنشاء نظام سياسي جديد وإرساء النظام اعتبارًا من اليوم التالي للثورة. وفي الواقع، للثورة الكاملة مرحلة ثانية، وهي إنشاء المؤسسات الثورية وإضفاء الطابع المؤسسي على النظام السياسي الجديد.
من الاستراتيجيات والتدابير المهمة والأساسية التي اتخذها الإمام الخميني بشكل صحيح، وكان لها تأثير كبير في انتصار ومصير الثورة والتغلب علی المشاکل بعد الثورة، هو إنشاء المؤسسات الثورية. مؤسسات سياسية مثل مجلس الثورة الإسلامية، والحكومة المؤقتة، والمؤسسات العسكرية والأمنية مثل لجان الثورة الإسلامية، وإلخ.
لذلك، بينما يذكر علماء الاجتماع نوعين من القيادة، إحداهما القيادة المنظمة(القيادة التي توجه المجموعة وتحدد أهدافها وطرق تحقيقها)، والأخری القيادة الرافعة للمعنويات (القيادة التي تخلق الانسجام وتمنع الانقسامات في المجموعة)، وفقًا للتفسيرات المذكورة أعلاه، يمكننا أن نفهم أن الإمام الخميني كان يتمتع بخصائص كلا النوعين من القيادة في أعلى المستويات.
وبالتالي، من العوامل الرئيسية التي سرّعت مسيرة الثورة بعد وصول الإمام الخميني إلى إيران، کانت الخصائص والقدرات القيادية الفريدة للإمام الخميني(رحمه الله).
المصدر/ الوقت