جولة بشار الأسد الخليجية في خضم التحركات الدبلوماسية الإيرانية في الخليج الفارسي
في الوقت الذي تأخذ فيه الرغبة في تحسين العلاقات السياسية مع الحكومة السورية بين الدول العربية أبعادًا جديدةً يومًا بعد يوم، استضافت الإمارات العربية المتحدة مرةً أخرى الرئيس السوري بشار الأسد، لتثبت أن رائد سياسة اجتياز عقد من المواجهة العربية مع دمشق، لا يزال يحرز قصب السبق في تطوير العلاقات مع هذا البلد من المشيخات الأخری.
هذه هي الزيارة الثانية للأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الغنية بالنفط في السنوات القليلة الماضية. وأشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، في بيان نُشر على تويتر، إلى المحادثة الثنائية مع الرئيس السوري، وقال إن “الجانبين عقدا محادثات بناءة بهدف تطوير العلاقات بين البلدين”.
وأضاف محمد بن زايد إن “محادثاتنا بحثت أيضاً سبل تعزيز التعاون لتسريع الاستقرار والتقدم في سوريا والمنطقة”.
أرسلت أبوظبي، التي قامت بتطبيع علاقاتها مع الحكومة السورية عام 2018، مساعدات إنسانية لحل مشاكل المتضررين من زلزال 6 فبراير الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا وخلف عشرات الآلاف من القتلى، وکان وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان الشهر الماضي أول مسؤول عربي كبير يسافر إلى سوريا بعد الزلزال.
نمو العلاقات بين الإمارات وسوريا
كانت الإمارات من الدول التي دعمت الجماعات التكفيرية والمعارضة لحكومة بشار الأسد خلال الأزمة في سوريا، وقامت إلى جانب السعودية وقطر بقيادة الإجراءات ضد سوريا من أجل خروج هذا البلد من جامعة الدول العربية.
لكن صمود الشعب السوري في مواجهة التدخل الأجنبي الواسع وهزيمة الجبهة الدولية لقوى الإرهاب في الحرب، دفع الإمارات، مثل العديد من الدول الأخرى، إلى مراجعة سياسات الماضي الخاطئة وقبول الهزيمة فعليًا.
حاليًا، يتحول الوضع إلى درجة أن أبو ظبي زادت من دعمها السياسي لسوريا من أجل كسب رأي هذا البلد، وفي موقف غير مسبوق انتقدت لانا زكي نسيبة، مندوبة الإمارات في الأمم المتحدة، استمرار التسييس في الملف الكيميائي السوري في مجلس الأمن، وأظهرت فعليًا دعمها لدمشق.
ويمكن رؤية آثار هذه المراجعة في المجال الاقتصادي أيضًا، ويبدو أننا سنرى في المستقبل القريب جهود أبوظبي للمشاركة في الاستثمار في إعادة إعمار سوريا.
قبل عام 2011، كانت الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر مستثمر بين الدول العربية في سوريا، وخاصةً في قطاع العقارات والسياحة. وتشير التقارير إلى أن القيمة الإجمالية للاستثمارات الإماراتية في سوريا في بداية عام 2011، بلغت أكثر من 20 مليار دولار.
کما تظهر التقارير أن الإمارات كانت أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2009 قرابة 332 مليون دولار.
تعزيز الثقل الإقليمي لسوريا
لطالما كانت سوريا دولةً بارزةً في تطورات العالم العربي والمنطقة، وخاصةً في مواجهة الکيان الصهيوني ودعم الفلسطينيين.
إن انتقال سوريا من الأزمة الحالية يجعل دور دمشق في عملية التطورات الإقليمية أمرًا لا مفر منه، بسبب المكونات الجيولوجية المهمة لهذا البلد(وجود سواحل البحر الأبيض المتوسط الغنية بالغاز، ومجاورة الأراضي المحتلة، ووجود القواعد العسكرية الروسية)، حيث إن ذلك دفع حتى قوة إقليمية مثل تركيا إلى مراجعة سياساتها للتفاعل مع دمشق.
مصر أيضًا، كفاعل مهم آخر في التطورات العربية، والتي لعبت خلال فترة وجود الإخوان على رأس سلطتها، سياسةً عدوانيةً نشطةً ضد سوريا، تبنت نهج السعي للتفاعل مع دمشق عند وصول اللواء السيسي إلى السلطة.
والآن، سارعت العديد من الدول العربية الأخرى، التي شهدت النتائج المدمرة لسياسات الغرب التدخلية والمزعزعة للاستقرار في تطورات العالم العربي، إلى تحسين العلاقات مع سوريا، وقد أدى ذلك إلى استعادة سوريا لثقلها الإقليمي أكثر من ذي قبل.
زيارة موازية مع الانفتاح في الدبلوماسية الإقليمية
على الرغم من أن زيارة الأسد للخليج الفارسي في الأشهر الأخيرة ليست غير مسبوقة، واستضافت سلطنة عمان الشهر الماضي رئيس سوريا، لكن تزامن زيارة الأسد إلى الإمارات مع بعض التطورات المهمة الأخرى، يرتبط بطبيعة الحال بقضية خفض التصعيد الإقليمي بين إيران ودولتي السعودية والإمارات.
في الواقع، جاءت هذه الزيارة بعد إعلان الصين في وقت سابق من هذا الشهر عن وساطتها لإنهاء الخلاف الدبلوماسي المستمر منذ سبع سنوات بين إيران والسعودية، اللتين دعمتا الأطراف المتنافسة في الحرب السورية.
كما التقى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، برئيس دولة الإمارات يوم الخميس الماضي في أبو ظبي وتحدث مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي كان حاضراً في حفل استقبال الأسد يوم الأحد الماضي.
وفي هذا الصدد، كتب أنور قرقاش، المستشار الرئاسي في دولة الإمارات، المعروف عادةً بالشخصية التي تعلن مواقف الحكومة الإماراتية بشكل غير رسمي، على موقع تويتر: إن “نهج الإمارات وجهودها تجاه سوريا، جزء من رؤية أعمق ومنهج أوسع يهدف إلى تعزيز الاستقرار العربي والإقليمي”.
وأضاف قرقاش على تويتر: “موقف الإمارات من ضرورة عودة سوريا إلى مكانتها في العالم العربي واستعادة الشرعية في المنطقة واضح”.
المصدر/ الوقت