لماذا أغاظ لقاء نصرالله وهنية “إسرائيل”؟
مؤخراً، أثار لقاء الأمين العام لحزب الله اللبنانيّ حسن نصر الله ووفد حماس برئاسة إسماعيل هنية قلق قادة وإعلام الكيان الإسرائيليّ، حيث إن استياءهم كان واضحاً من خلال التعاطي مع اجتماع الوفد الرفيع لحركة حماس مع السيد نصر الله، والدليل ما أشارت إليه قناة “كان” الإسرائيلية حول هذا اللقاء بعنوان “لقاء ثلاثي بين نصر الله وإسماعيل هنية وصالح العاروري في بيروت”، وأن الجانبين بحثا جاهزية محور المقاومة للتعامل مع كل المستجدات، في وقت يقف فيه حزب الله دائماً إلى جانب القضية الفلسطينيّة، وذلك في ظل المخاطر التي تواجه فلسطين، ومساعي العدو الصهيونيّ الغاصب للأرض العربيّة لإبادة هذا الشعب.
تنسيقٌ وثيق
بالتزامن مع التهديدات الخطيرة التي تواجه “إسرائيل” ومصيرها المجهول عقب استلام المتشدّدين زمام الأمور، بيّن مراسل الشؤون العربية للقناة 13 الإسرائيلية، أن أهمية هذا اللقاء تأتي في التنسيق بين مواقف حماس وحزب الله في لبنان، وهدفها توسيع الوحدة في محور المقاومة بين سوريا وإيران وحماس وحزب الله، وتنسيق وثيق جدا بين مواقف نصرالله وهنية والعاروري، وخاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقتها الأراضي المحتلة من قبل الإسرائيليين من صواريخ المقاومة، في وقت طغى فيه الحديث على لسان المحللين الإسرائيليين عن نهاية مأساوية لـ”إسرائيل” وإظهارها ضعفاً كبيراً على المستويين الداخليّ والخارجيّ وفقدانها الردع تماماً عقب مرحلة من الهزائم المتتاليّة وبالأخص هزيمة قدوم نتنياهو وعصابته الحاكمة.
“تصريح حزب الله له أهمية كبيرة، وهذا اللقاء مهم للغاية”، هذا ما ركّز عليه الإعلام العبريّ الذي أوضح أنّ هناك تنسيقا بين محور المقاومة للتعامل مع مختلف القضايا، وهذا ما دار نقاشه بين الجانبين، وإنّ أكثر ما يقلق الإسرائيليين هو تنامي التنسيق بشكل كبير بين “دول المحور”، ويوضح هذا الاجتماع زيادة التواصل بين مختلف عواصمه، وقد شهدنا أحداثا في مناطق مختلفة من غزة إلى سوريا ولبنان لم نشهدها منذ فترة طويلة وخاصة في لبنان، وبالتالي فإن هذه القضية مهمة للغاية، وخاصة عقب عودة حماس إلى بوابة دمشق التي تشكل جزءاً محوريّاً من “محور المقاومة” واستضافتها ودعمتها بشكل لا يوصف منذ عام 2000، وذلك يتمثل بالفعل في استثمار أي علاقة من قبل المقاومة الفلسطينية لخدمة قضيتهم العالمية من خلال طيّ صفحة الخلاف عبر إرسال رسائل إيجابية في إدانة ضمّ الجولان والعدوان الصاروخي الإسرائيليّ على سوريا وشعبها.
وتداولت وسائل الإعلام العبريّة الصورة المشتركة للقاء السيد حسن نصر الله واسماعيل هنية وعلّقت عليها: “يبدو أن الجميع يبتسم في هذا اللقاء وهذا يبعث برسالة مهمة وهي أنهم يحاولون القول نحن معاً”، وفي إشارة إلى الصورة المشتركة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس والأمين العام لحزب الله ، تحدثت قناة الـ12 الصهيوني 12 أن الصورة بها أكثر من آلاف الكلمات، بما يُشكل صفعة حقيقيّة للإسرائيليين الذين يستفيدون من أدنى خلاف أو مشكلة في الداخل الفلسطينيّ وخارجه بالمنطقة، بمعنى آخر هم لا يريدون وجود أي تنسيق آخر بين دول المحور الذي سيؤدي بكل تأكيد لعمليات عسكريّة بالغة التأثير وهذا أكثر ما تخشاه تل أبيب في ظل تشكيل تحالفات جديدة في المنطقة تغضب الإسرائيليين، حيث إنّ لدى إيران وسوريا والعراق ولبنان بالإضافة إلى الفلسطينييين عداء كبيرا مع “إسرائيل”، ولديهم الكثير ليقدموه لمحور المقاومة.
وفي هذا الصدد، إنّ إسهاب الكيان الصهيوني في الحديث عن اللقاء يؤكد أن الجيش الصهيوني في السنوات القليلة الماضية، وخاصة في الفترة الأخيرة، أصبح عاجزاً وغير مستعداً لمواجهة الكارثة التي ستقع على الكيان في أي حرب مقبلة، وبالفعل يعترف الصهاينة بحقيقة ذلك ويعتقدون أن “إسرائيل” ستضطر إلى الدخول في حرب في المستقبل غير البعيد ويمكن أن توصل إلى نهاية الكيان، حيث انحنت “إسرائيل” على ركبتيها طوال عقد ونصف العقد أمام المقاومة التي تؤكد بأنّها لن تسمح للكيان الصهيونيّ الغاشم بالاستفراد بفلسطين، والدليل ما كتبه معلق الشؤون العسكرية في صحيفة “معاريف” الصهيونية حول أن تحذير المؤسسات الأمنية والعسكرية من حقيقة أن هناك احتمالية لوحدة جميع الأطراف المختلفة، وتم تنفيذ تهديد المناطق في شهر رمضان وشعر الإسرائيليون بمواجهة “متعددة الجبهات” في الأيام الأخيرة.
نتنياهو في فخٍ استراتيجيّ
بينما يواصل الصهاينة خلافاتهم السياسية المعقدة، بدا من بيان حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني قلقل “إسرائيل” من حرب على ثلاث جبهات، وكان واضحاً حجم الانزعاج والغيظ من هذا اللقاء، حيث استقبل الأمين العام لحزب الله اللبناني رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” ونائبه الشيخ صالح العاروري والوفد رفيع المستوى لحركة حماس عقب الرسائل الاستراتيجية للهجوم الصاروخي من جنوب لبنان على المواقع الصهيونية، مع حديث الإعلام العربيّ أنّه تم خلال هذا الاجتماع مناقشة أهم المستجدات في فلسطين المحتلة، وأحداث المسجد الأقصى المبارك الأخيرة، واشتداد المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن التطورات السياسية في المنطقة بشكل عام.
من ناحية أخُرى، ناقش الجانبان خلال هذا الاجتماع تبادل الآراء حول جاهزية محور المقاومة وتعاون كل أطرافه في مواجهة المستجدات الراهنة، وعقد هذا الاجتماع خلال تصاعد التوترات في المسجد الأقصى بسبب هجوم المستوطنين الصهاينة على المصلين في المسجد الأقصى المبارك، فيما كتبت “التايمز أوف إسرائيل” في تقرير سابق أن رئيس وزراء العدو يسعى لتجنب تصعيد التوترات على جبهات متعددة وأعلن أنه لا يمكن جلب تل أبيب لمواجهة حماس وحزب الله في خضم الصراعات الداخلية المتزايدة، وبما أنّ المقاومة استطاعت مراراً الانتصار على الكيان الإرهابيّ في عدة حروب، وأذلت ناصية العدو الصهيونيّ المعتدي الذي أثقب مسامعنا بأنّه “لا يقهر”، فإن جيش العدو غير مستعد أبداً لدخول “الحرب القادمة”، وهذا ينطبق على القوات البرية للجيش، في ظل عدم وجود رغبة لدى وزارة الداخلية الإسرائيلية بالحرب، ناهيك عن أنّ سلاح الجو الإسرائيلي أثبت عدم قدرته على مواجهة الصواريخ والقذائف التي يتم إطلاقها على القواعد العسكرية.
وبالتالي فقد الإسرائيليون الردع تماماً، وهي العبارة التي يكررها الإسرائيليون دائماً، وإن اللقاء الأخير يدل على أن المقاومة مستمرة في تفوقها ونضالها ضد المحتلين، ولن تأبه أبداً من أيّ خطوة إسرائيليّة باعتبار أن محور المقاومة بات يملك مفاتيح اللعبة ضد الكيان وأصبحت دوله في قوة رادعة للغاية، والأدلة كثيرة، وإنّ أكثر ما يُقلق الإسرائيليين قضيّة إطلاق صواريخ المقاومة على الأراضي التي تحتلها “إسرائيل” في فلسطين، مع وجود سيناريو مروع لـ”إسرائيل” في الحرب القادمة، فالأراضي المحتلة محاطة في هذه الحرب بأكثر من 200 ألف صاروخ، بما في ذلك آلاف الصواريخ الموجهة بدقة، ما يُخضع “إسرائيل” لحصار كبير وخانق بالآلاف من الصواريخ التي ستصيب أهدافها ويمكنها استهداف مواقع مهمة مثل مرافق تحلية المياه وقواعد القوات الجويّة ومقرات الجيش والموانئ والبنية التحتيّة الاقتصاديّة وما إلى ذلك.
وإنّ خشية العصابات الصهيونيّة من صواريخ المقاومة تكشفت في الفترة الماضية من خلال احتواء حادثة إطلاق صواريخ تجاه مستوطنات دون اللجوء لخيار التصعيد العسكريّ لتجنب سيناريو إطلاق الصواريخ، باعتبار أنه يمكن لهذه الصواريخ أيضًا أن تستهدف مواقع مدنية ومراكز سكانية وصناعية في مناطق مختلفة، بينما تلك الصواريخ الإسرائيلية القادرة على اعتراض صواريخ من يصفهم الإسرائيلي بـ”الأعداء” تكفي لبضعة أيام فقط، وهذا ينطبق على صواريخ القبة الحديدية.
خلاصة القول، الردع الإسرائيلي ضد حزب الله قد اختفى وإن “إسرائيل” لا تريد الدخول في حرب شاملة، والعرب الآن يعتبرون “إسرائيل” ضعيفة للغاية، في أعقاب التطورات السريعة داخل فلسطين المحتلة في الأسابيع القليلة الماضية والأزمة الداخلية الشديدة وغير المسبوقة لهذا الكيان والتي دقت ناقوس الخطر من حرب أهلية، فيما يظهر سلوك رئيس وزراء النظام الصهيوني بنيامين نتنياهو وحكومته محاولة فاشلة للهروب إلى الأمام وللإنقاذ من هذا المأزق الكبير، وجاءت الاعتداءات التي شنها المحتلون على غزة وجنوب لبنان خلال اليومين الماضيين في إطار جهود نتنياهو ورفاقه لإظهار القوّة، بيد أنّ مجلس الوزراء الإسرائيلي ونتنياهو عالقون في فخ استراتيجيّ يهدد وجود هذا السرطان الاحتلاليّ.
ما يعني أنّه على الصهاينة عدم دخول أيّ حرب، وهذا ما يدعو إليه ضباط العدو الغاشم الذين يحذرون من تقلص المستودع البري للجيش الإسرائيلي، لأن الوضع الحالي لا يسمح للجيش الإسرائيلي بالقتال حتى على جبهتين في نفس الوقت، في حين أن الحرب الإسرائيلية المقبلة من المحتمل أن تكون على أربع جبهات، كما أن نتيجة تراجع القوة العسكرية للجيش وكذلك عدم كفاية الميزانية، يعود إلى التدريب غير الكافي للجنود في الجيش الإسرائيلي، وعدم القدرة على حماية الأسلحة في المستودعات، وتسريح آلاف الجنود، وفقدان المهارات المهنية للجنود والقادة وخاصة في الاحتياط، ناهيك عن أنه لا يوجد اهتمام مهني في الجيش الإسرائيلي بالأسلحة على الأرض، سواء من حيث التصميم أو الصيانة أو الإصلاح، في حالة حدوث أضرار أو مشاكل فنية، وإن هذا قد يؤدي إلى الهزيمة في أي حرب إسرائيلية مستقبلية، وسيفقد الكثيرون حياتهم، وهذا تحذير جديّ من كارثة عسكريّة حقيقية لـ”إسرائيل”.
المصدر/ الوقت