“البريكس” في مواجهة مجموعة السبع الصناعية
تترقب الأسواق الأسبوع المقبل اجتماع قمة مجموعة بريكس، الذي تستضيفه جنوب إفريقيا من الـ22 إلى الـ24 من أغسطس الجاري، وما ستؤول إليه من قرارات اقتصادية وتطورات جوهرية للتحالف، إذ إنه من المتوقع أن تصوت المجموعة المكونة حاليا من 5 دول هي روسيا، والبرازيل، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا على اختيار أعضاء جدد.
وقدمت عدة دول عربية وهي: الجزائر ومصر والسعودية والإمارات إضافة إلى البحرين والكويت والمغرب وفلسطين، طلبات رسمية للانضمام إلى بريكس، من بين 23 دولة قامت بالخطوة نفسها، وفق ما أعلنته جنوب إفريقيا.
وفي الـ7 من أغسطس الجاري، قالت وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا ناليدي باندور، في بيان: “لدينا طلبات رسمية باهتمام قادة 23 دولة بالانضمام إلى بريكس، والعديد من الطلبات غير الرسمية الأخرى بشأن إمكانيات العضوية”، والدول التي طلبت الانضمام إلى بريكس رسميا هي: مصر والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا، وفلسطين والسعودية والسنغال وتايلاند والإمارات وفنزويلا وفيتنام.
ويقود توسيع “تحالف بريكس” إلى تعزيز دورها كتحالف اقتصادي يتمتع بمجموعة من المزايا التي تؤهله لمنافسة مجموعة السبع، وبما يتسق مع الأهداف الرئيسية التي أنشئ هذا التحالف من أجلها ككيان يسعى لخلق حالة من التوازن بالاقتصاد العالمي.
فما هي مجموعة بريكس؟
مجموعة “بريكس” هي منظمة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها في يونيو 2009 في مدينة يكاترينبورغ الروسية، وتحول اسمها من “بريك” إلى “بريكس” في 2011، بعد انضمام جنوب إفريقيا إليها، وتهدف هذه المجموعة الدولية إلى تنمية العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، ما يقلل الاعتماد على الدولار ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم.
انضمام إيران للبريكس
أكد المحلل والخبير السياسي المصري الدكتور “محمد سيد أحمد”: أن انضمام دول كبيرة ومؤثرة مثل إيران ومصر إلى مجموعة بريكس سيزيد من قوة هذه المجموعة وسيعطي زخمًا إضافيًا لها، وقال محمد سيد أحمد في مقابلة له: “مصر و إیران من بین دول المنطقة التي تسعی إلی الانضمام لبريكس وهذا الأمر یحقق تنمية حقيقية لکلا الدولتين ويأتي للنظام العالمي الجديد بقوة لمشاركة دول المنطقة مع مجموعة بريكس”.
وأضاف: إن “مصر وإیران من الدول الكبيرة والمؤثرة في المنطقة والتي يمکن أن تشکل قوة حقيقية لمجموعة بريكس حين تنضم إلیها والتعاون مع دول بريكس يؤدي إلی استفادة حقيقية لهما”.
وتابع الخبیر المصري: إن مجموعة بريكس تکتسب کل یوم مكانة جديدة وأعتقد أنها أمام مجموعة الدول الصناعية السبع ستحدث توازناً کبیراً علی المستوی الدولي وخاصة علی المستوی الاقتصادي وهذا یلعب دورا مهما في تحقيق التوازن في الاقتصاديات، مؤكدا أنه: لم تعد مجموعة الدول الصناعية السبع الکبرى تسيطر علی الاقتصاد العالمي إنما دول بریكس تلعب دورا مهما سواء علی المستوی الاقتصادي أو حتی علی مستوی سياسي في المنظور القريب.
وقال سيد أحمد: “استطاعت دول مجموعة بريكس مثل روسيا والهند والصين والبرازيل وغیرها من تحقیق تنمية حقيقية و إنجازات کبيرة خلال السنوات الماضية علی المستوی الدولي وهذه النجاحات حتی في ظل الأزمة المالية العالمية حققت نوعاً من أنواع الصمود لهذه الاقتصاديات الناشئة”.
تصاعد قوة البريكس على حساب مجموعة السبع الصناعية
تحرز الصين تقدما ملحوظا في صراعها غير المعلن مع أمريكا والصين على الصعيد الاقتصادي، كما تحقق بعض دول البريكس نجاحات على الصعيد نفسه، لكن لا يجمع هذه الجهود عمل مشترك، فحتى تجمع البريكس لم يتم تطويره بعد ليصل إلى كيان تكاملي ليكون في مجابهة الاتحاد الأوروبي أو مثيل له، في حين تتجه أمريكا لجمع أوروبا اقتصاديا وعسكريا، ووضح ذلك بشكل كبير في جهود إدارة بايدن في تفعيل الناتو على مدار الفترة الماضية.
سباق التكنولوجيا
لا شك أن أداء الناتج المحلي أو المساهمة في حركة التجارة الدولية من العوامل المهمة التي يمكن أن تؤثر في التوقعات بشأن مستقبل النظام العالمي الجديد، ولكن الأكثر أهمية من هذين المؤشرين هو امتلاك وإنتاج التكنولوجيا، وقد رأينا كيف أمسكت أمريكا والغرب برقاب الشركات الصينية المنتجة للأجهزة الذكية أو تلك الدول التي تعتمد على أشباه المواصلات التي تستخدم في إنتاج الأسلحة الذكية، نعم، إن الفجوة تضيق بين كل من أمريكا والصين في مجال إنتاج التكنولوجيا لكن ما زالت أمريكا متقدمة وتعمل بشكل كبير على احتكار هذا المجال من خلال استقدام العقول من كل دول العالم وإتاحة الهجرة وكذلك توفير الاستثمارات اللازمة ومنع الشركات الصينية من المشاركة في مجالات محددة تتعلق بإنتاج التكنولوجيا داخل أمريكا.
التجارة الخارجية
تظهر أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي أن الصادرات السلعية على مستوى العالم بلغت في نهاية عام 2021 ما قيمته 22.4 تريليون دولار، كما بلغت الواردات السلعية على مستوى العالم كذلك في التاريخ نفسه 22.6 تريليون دولار، ووفق المصدر نفسه، فإن الصادرات السلعية لمجموعة السبع الصناعية بلغت 6.3 تريليونات دولار، وبما يمثل نسبة 28.1% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم، فيما بلغت الواردات السلعية للمجموعة نفسها وفي التاريخ نفسه نحو 7.6 تريليونات دولار، وبما يمثل نسبة 33.5% من إجمالي الواردات السلعية للعالم.
كما يظهر أداء تجمع دول البريكس أن حصيلة الصادرات السلعية للمجموعة في نهاية عام 2021 بلغت 4.6 تريليونات دولار، وهو ما يمثل 20.7% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم، في حين بلغت الواردات السلعية في نفس العام للمجموعة 3.9 تريليونات دولار، وبما يمثل 17% من إجمالي الواردات السلعية للعالم.
ومن هنا نجد أن أداء مجموعة السبع الصناعية أكثر تأثيرا في حركة التجارة السلعية الدولية من حيث القيمة والنسبة، مع الأخذ في الاعتبار أن الصين تمثل رومانة الميزان في التجارة الخارجية السلعية لمجموعة دول البريكس، فالصادرات السلعية للصين تمثل 72.4% من إجمالي صادرات هذه الدول، كما أن واردتها تمثل 68.7% من إجمالي واردات المجموعة السلعية.
كسر هيمنة الدولار
تخوض روسيا حربا لكسر هيمنة الدولار على التسويات المالية الدولية وسيطرة أمريكا والغرب على النظام المالي العالمي، وقد لمسنا خطوات موسكو لجعل تجارتها للنفط بالروبل، وكذلك تسوية تجارتها مع بعض الدول بالعملات المحلية، لكن، هل يمكن أن تكون الخطوة القادمة هي أن تنضم باقي دول البريكس إلى روسيا في صراعها مع أمريكا والغرب؟. بالطبع من الصعب القبول بهذا السيناريو، لكن سيكون الدعم لروسيا من دول البريكس بشكل غير مباشر، وبما لا يحمل اقتصاديات تلك الدول تبعات سلبية لقرار روسيا المنفرد بحربها على أوكرانيا، وينقلنا هذا إلى ضرورة النظر في الإمكانيات الاقتصادية لكلا الطرفين، ومدى مساهمة تلك الإمكانيات في مستقبل الصراع، واحتمالات الوصول إلى نظام اقتصادي عالمي جديد.
خطوات متسارعة لتجمع البريكس
قد وضعت الحرب الروسية على أوكرانيا وما ترتب عليها من مشكلات في الاقتصادات العالمية في أزمة كبيرة يرى البعض أنها ناتجة عن التصرف الخشن لروسيا بدخولها الحرب على أوكرانيا، وكذلك في بداية التسعينيات سيطرت أمريكا على مقدرات النظام الاقتصادي العالمي من خلال منظومة العولمة وتعميم النظام الاقتصادي الرأسمالي، لكن لم يمنع هذا الصراع غير المعلن من قبل بعض الدول تجاه أمريكا والغرب، فوجدنا أمريكا والغرب في مطلع الألفية الثالثة ينزعجان من سلوك كل من روسيا والصين بسبب سلوك صناديقهما السيادية، كما وجهت الولايات المتحدة والغرب كذلك انتقادات منذ ذلك التاريخ إلى الصين بسبب إصرارها على تخفيض قيمة عملتها المحلية تجاه العملات الأجنبية، وهو ما يعطيها ميزة غير مستحقة في مجال الصادرات.
ومؤخرا، انعقدت اجتماعات مجموعة السبع الصناعية للنظر في أزمتي الطاقة والغذاء، والنظر في تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وإمكانية فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا.
على الجانب الآخر، لم يكن هناك تحرك مماثل من قبل البريكس لمناصرة أو دعم الموقف الروسي، ولكن وجدنا كلا من الهند والصين تقومان بدعم غير مباشر لروسيا من خلال زيادة حصة استيرادهما من النفط الروسي وإن كانتا تستفيدان من ميزة النفط الرخيص التي تقدمها روسيا لبعض الدول، وبلا شك فإن الحرب الروسية على أوكرانيا سيكون لها ما بعدها، سواء انتهت بانتصار روسيا أو خسارتها، لكن من المؤكد أن انتصارها في هذه الحرب سيقوي موقف تجمع البريكس وإن كانت روسيا تخوض هذا الصراع مع أمريكا والغرب بمفردها بشكل مباشر، أما خسارتها للحرب فستؤثر على مستقبل تجمع البريكس، وسيكون لذلك أثره في المزيد من السيطرة لمصلحة أمريكا والغرب.
المصدر/ الوقت