خط سكة حديد “الشلامجة-البصرة”.. الحلقة المفقودة التي تربط الشرق بالغرب
ترافقت زيارة الأربعين 2023، إضافة إلى تسجيل رقم قياسي جديد لعدد زوار كربلاء الحسين (عليه السلام)، لتوسيع التجارة وتسهيل سفر مواطني إيران والعراق، مع حدث مهم للغاية، وهو بدء المرحلة الأخيرة لربط خط الشلامجة بخط سكة حديد البصرة من قبل كبار المسؤولين في إيران والعراق.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ونائب الرئيس الإيراني محمد مخبر، قد وضعا حجر الأساس لمشروع ربط السكك الحديدية عند معبر الشلامجة الحدودي الأسبوع الماضي، لاستكمال هذا المشروع القديم في أسرع وقت ممكن.
وحسب مسؤولين إيرانيين، فإن هذا المشروع يأتي ضمن خطة استراتيجية للبلدين، ويربط بين خطي سكة الحديد المتجاورين ويكمل طرق النقل الدولية، وقال محمد مخبر أثناء البدء ببناء خط سكة الحديد هذا: “هذا المسار المهم سيكتمل بتعاون البلدين خلال العامين المقبلين في إطار سياسة تعزيز العلاقات مع الجيران، ونأمل أن يكون مصدر خير وبركة لإيران والعراق، وكذلك دول المنطقة”.
يبلغ طول خط سكة حديد الشلامجة-البصرة 32 كيلومتراً، ويربط مدينة البصرة الواقعة في جنوب شرق العراق بمدينة “خرمشهر” في محافظة خوزستان الإيرانية، وبموجب الاتفاقيات، سيتم بناء 16 كيلومتراً من هذا المشروع في الشلامجة بواسطة شركة السكك الحديدية الإيرانية، و16 كيلومتراً من قبل الحكومة العراقية.
بدأ بناء خط سكة الحديد هذا منذ عقود، لكن لأسباب مختلفة أهمل العراقيون هذا المشروع، وفي عام 2011، أنجزت إيران خط سكة حديد خرمشهر- الشلامجة بطول 17 كيلومترًا، والذي كان من المفترض أن يصل إلى البصرة، لكن المشروع توقف لفترة طويلة.
وكان لهذه السكة الحديدية معارضة كثيرة داخل العراق وخارجه، وحسب التقارير فإن الولايات المتحدة لم تسمح باستكمال هذا الممر من خلال الضغط على حكومة بغداد في السنوات الأخيرة، لكن حتى هذه الضغوط الدولية لم تتمكن من منع تحقيق حلم البلدين، وبعد لقاءات متكررة بين كبار المسؤولين في إيران والعراق، تم وضع استكمال خط السكة الحديد هذا على جدول الأعمال.
الفوائد الاقتصادية لإيران في خط سكة حديد الشلامجة – البصرة
خط سكة الحديد هذا، الذي من المفترض أن يكون متصلاً بالخطوط الدولية في المستقبل، له فوائد اقتصادية عديدة لإيران، أهمها يمكن ذكرها فيما يلي.
أولاً، إن الوظيفة الأكثر أهميةً لخطوط السكك الحديدية، هي نمو وتطور التجارة بين البلدان، ويمكن لإيران أيضًا استخدام خط سكة حديد الشلامجة – البصرة لتطوير علاقاتها التجارية مع العراق، وتصدير بضائعها إلى جارها في أقصر وقت وبتكلفة منخفضة، وكذلك الاستيراد من خلال هذا الطريق.
العراق هو الشريك التجاري الثاني لإيران، ومع استكمال ممر العبور هذا، سوف يتحسن مستوى العلاقات التجارية أيضًا، وسيتم تحقيق هدف التجارة بقيمة 20 مليار دولار بين البلدين في أقرب وقت ممكن.
تتراوح قيمة الصادرات الإيرانية إلى العراق حالياً بين 12 و13 مليار دولار سنوياً، منها 9 مليارات من البضائع العامة للقطاع الخاص، والـ 3 مليارات المتبقية تتعلق بتصدير الكهرباء والطاقة، وإذا تم الانتهاء من هذا المشروع، فسيتم تصدير هذه البضائع بشكل أسرع.
ثانياً، تعتبر مسألة حركة الركاب إحدى الركائز الأساسية لسكة حديد الشلامجة – البصرة، وبما أن الملايين من الناس يسافرون إلى العتبات المقدسة في العراق كل عام، فإن هذه السكة الحديدية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في نقل الزوار، وخاصةً خلال مراسم مشاية الأربعين الحسيني (عليه السلام)، الأمر الذي سيكون فعالاً في تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين.
وبما أن خطوط السكك الحديدية أكثر أمانًا من الطرق الجوية والطرق البرية، فمن هذا المنطلق، ستكون السكك الحديدية في البلدين فعالةً في زيادة سلامة الركاب خلال مراسم الأربعين، وستخفف من عبء حركة المرور البشرية في المعابر الحدودية.
وفي هذا الصدد، وبالتزامن مع بدء المشروع، تحدث السيد ميعاد صالحي، الرئيس التنفيذي لشركة السكك الحديدية الإيرانية، عن حجم سعة الركاب والعبور والبضائع لطريق الشلامجة-البصرة قائلاً: يتمتع كل خط من خطوط السكك الحديدية بإمكانية نقل ما بين 8 و10 ملايين طن من البضائع، وفيما يتعلق بالركاب من المتوقع أن يستوعب حوالي 12 مليون شخص.
ثالثًا، يعدّ الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط هدفًا استراتيجيًا لإيران، وتخطط طهران لتحقيق هذا الأمر المهم من خلال خطوط السكك الحديدية العراقية، ومن ثم الاتصال بخطوط السكك الحديدية السورية، وهکذا ستتم عملية تصدير البضائع إلى سوريا ولبنان وأوروبا في أقصر وقت وبتكلفة منخفضة.
لأكثر من عقد من الزمن، أصبحت الأزمة وانعدام الأمن في سوريا مشكلةً كبيرةً أمام نقل البضائع الإيرانية إلى هذا البلد، سواء عن طريق الجو أو البحر أو البر، لكن الآن، ومع انتهاء الأزمة وسيطرة دمشق على الوضع الأمني، تمت تهيئة الظروف لتوسيع التجارة الثنائية، وحتى تصدير البضائع الإيرانية من سوريا إلى دول أخرى في المنطقة، وبالتالي فإن خط سكة حديد الشلامجة-البصرة سيقدّم إسهاماً كبيراً في هذه العملية.
وبما أن سوريا في مرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب، فإن إيران، باعتبارها أحد حلفائها، يمكنها تسريع عملية إعادة الإعمار، من خلال نقل مواد البناء والمساعدة الفنية عبر خطوط السكك الحديدية.
رابعاً، نظراً لموقع إيران على الطريق السريع لطرق العبور، يمكن ربط إيران عبر خط الشلامجة-البصرة بشبكات السكك الحديدية للدول الخليجية، بما في ذلك السعودية والكويت، وتطوير العلاقات التجارية مع مشيخات الخليج الفارسي عبر طريق النقل هذا.
خامساً، بالنظر إلى أن إيران تخضع لأشد العقوبات الغربية منذ أربعة عقود مضت، فإن خط سكة حديد الشلامجة-البصرة، سيكون بمثابة أداة للتحايل على العقوبات الغربية والضغوط الخارجية.
سادساً، سيعزز هذا الخط أيضاً الموقع الجغرافي لإيران في مشروع طريق الحرير الصيني، وبالتالي ستصبح طهران لاعباً رئيسياً في غرب آسيا ومركزاً تجارياً في المنطقة.
استفادة العراق من الممر الدولي
بما أن خط سكة الحديد هذا مفيد لإيران، فإنه سيكون له أيضًا فوائد عديدة للعراق.
أولاً، يمكن للعراق، الذي يعاني من أزمة اقتصادية في السنوات الأخيرة بسبب انعدام الأمن السياسي المستمر وعدم الاستقرار، استخدام خط السكك الحديدية هذا لزيادة تجارته مع طهران وتنظيم اقتصاده.
ثانياً، ستساعد هذه السكة الحديدية على تطوير السياحة الدينية في العراق، فحسب الإحصائيات الرسمية هذا العام، شارك 4 ملايين شخص من إيران فقط في مراسم زيارة الأربعين، ويذهب آلاف آخرون إلى العتبات المقدسة طوال العام، وبالتالي، مع تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية، يمكن لملايين الركاب استخدام خط سكة الحديد الجديد.
وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء العراقي في تصريح له، إن ربط خط سكة الحديد بإيران لحركة الركاب سينشط قطاع النقل في العراق، كما أكد رئيس الوزراء العراقي أن وزير النقل العراقي يناقش في السعودية أيضًا قضية ربط السكك الحديدية بالسعودية لنقل الركاب والحجاج، ولذلك، مع اكتمال خط سكة حديد الشلامجة-البصرة وبالتالي اتصاله بطرق السكك الحديدية في الخليج الفارسي، ستكون السياحة العراقية أكثر ازدهارًا.
ثالثاً، سيمكّن هذا المشروع العراق من الاتصال بسهولة بشبكة السكك الحديدية الواسعة في إيران، والتي تمتد إلى الحدود الشرقية. وسيفتح هذا الرابط طرقاً أمام بغداد للتواصل مع أفغانستان وباكستان والصين والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأقصى.
تتم تجارة العراق مع هذه الدول في الغالب عن طريق الجو والبحر، ما يفرض تكاليف كبيرة على الحكومة العراقية، لذا فإن ممر السكك الحديدية سيكون فعالاً في تقليل تكاليف بغداد.
رابعاً، في المستقبل سيضع هذا المشروع العراق كطريق عبور للتجارة بين الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي مع جمهوريات آسيا الوسطى وروسيا، لقد وقعت إيران وروسيا مؤخراً اتفاقيةً بشأن إنشاء خط سكة حديد رشت-أستارا لاستكمال ممر الشمال-الجنوب، وسيتم ربط خط سكة حديد الشلامجة-البصرة بهذا الممر الدولي أيضًا.
الفوائد الإقليمية لخط سكة حديد الشلامجة – البصرة
لا يمكن النظر إلى مشاريع البنية التحتية المشتركة بين الدول من وجهة نظر اقتصادية فقط، ولا بدّ من وضع العواقب الجيوسياسية المترتبة عليها في الاعتبار أيضاً.
ليس هناك شك في أن مشروع ربط السكك الحديدية بين إيران والعراق، سيعزز الروابط بين دول غرب آسيا، ويزيد من الحاجة إلى تعاون القوى الأخرى مع هذه المنطقة المهمة، التي تتمتع بموقع استراتيجي في جزء من “قلب” العالم.
من جهة أخرى، سيخدم المشروع الجديد عملية نقل المسافرين من دول آسيا الوسطى وجمهورية أذربيجان إلى العراق ومن هناك إلى دول أخرى، وخاصةً السعودية، أثناء الحج والعمرة.
في الأشهر الأخيرة، أعلنت سلطنة عمان والسعودية استعدادهما لتطوير البنية التحتية للسكك الحديدية والتفاعل مع آسيا الوسطى، وسيكون خط سكة حديد الشلامجة-البصرة في مركز خطوط النقل هذه، وسيعزز العملية التجارية بين جمهوريات آسيا الوسطى والخليج الفارسي.
وفي العام الماضي، أعلن زعماء آسيا الوسطى عن استعدادهم لاستخدام ممرات العبور الإيرانية، وأصبحت الظروف مهيأةً لتنمية التجارة بين الجيران، ومن الممكن أن تؤدي استعادة الحلقة المفقودة لخط السكك الحديدية بين إيران والعراق، إلى تسريع هذه التجارة المربحة بين دول المنطقة.
كما أنه كلما تطورت طرق النقل بالسكك الحديدية بين دول المنطقة، تقلصت الخلافات المسببة للتوتر بين الدول بسبب الفوائد التجارية المتشابكة، ويسود المزيد من الاستقرار والأمن في المنطقة.
وعلى الرغم من أنه تم مؤخراً إبرام اتفاقيات بين حكومتي العراق وتركيا لبناء خط السكة الحديد التركي إلى البصرة ومن ثم إلى الخليج الفارسي، إلا أن خط سكة الحديد هذا لا يتعارض مع الشلامجة-البصرة.
وبالمناسبة، من خلال ربط هذه الخطوط ببعضها البعض، ستكون العملية التجارية في المنطقة أكثر ازدهارًا، وسيتم تعزيز التقارب السياسي الذي حدث مؤخرًا بين إيران وجيرانها من خلال الحزام التجاري، وهذا الموضوع سيحدّ من التدخلات الخارجية لتعكير صفو علاقات دول المنطقة.
لقد أثبت ربط ممرات السكك الحديدية الإيرانية بخطوط النقل الدولية، أن الجهود الأمريكية لتشديد طوق العقوبات وعزل إيران لم تكن فعالةً، وتظهر آفاق التعاون التجاري أن إيران ليس أمامها طريق طويل لتقطعه لتصبح مركزًا تجاريًا في المنطقة.
المصدر/ الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق