التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

التطبيع بين السعودية و”إسرائيل”.. من الرابح الوحيد 

في الأيام الفائتة، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ، الذي سافر إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، إن الحل الوحيد للصراع بين فلسطين والكيان الإسرائيلي هو تشكيل دولة فلسطينية مستقلة، وفي مقابلة مع القناة السعودية الرسمية في نيويورك أشار إلى أن الناس فقدوا الأمل في حل الدولتين وتريد الرياض أن تؤخذ هذه القضية بعين الاعتبار مرة أخرى لأنه لا سبيل لحل هذا الصراع إلا ضمان إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وأضاف وزير الخارجية السعودي إن بلاده أجرت مشاورات مع الاتحاد الأوروبي ومصر والأردن بشأن حل الدولتين الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وقال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الرياض أبلغت واشنطن أنها ستوقف أي مفاوضات تتعلق بتطبيع العلاقات مع تل أبيب أو أي إجراء تجاهها.

مواقف متضاربة بين الكيان والسعودية

مؤخراً، ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصهيونية (مكان) قبل أيام نقلاً عن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: “أخبرنا السعوديون بوضوح شديد أن القضية الفلسطينية قضية مهمة ومركزية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن وجهة نظر الرياض فإن تطبيع العلاقات يجب أن يشمل تنفيذ حل الدولتين”، وقد حاول قادة النظام الصهيوني، الذين يعيشون في عزلة بسبب تغير المعادلات الإقليمية على حساب هذا الكيان وعرقلة خطتهم لمواصلة طريق المصالحة في المنطقة، في الأشهر القليلة الماضية وتظاهر بأن طريق المصالحة مستمر بأخبار مستمرة.

وفي هذا الصدد، أدلت سلطات الكيان الصهيوني مؤخرا بتصريحات متناقضة بشأن تطبيع العلاقات بين النظام والسعودية، بينما اعتبر إيلي كوهين، وزير خارجية الكيان الصهيوني، تل أبيب أقرب من أي وقت مضى إلى التوصل إلى اتفاق مع السعودية، وقال وزير الحرب في هذا النظام إن “الطريق إلى تطبيع العلاقات مع الرياض لا يزال طويلا”، هذا في حين لم تؤكد السعودية بعد المزاعم التي صدرت بشأن سير الإجراءات لاتفاق محتمل لإقامة علاقات بين تل أبيب والرياض.

وفي إعلانه خلال مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية والتي تم بث مقتطفات منها قبل أيام، أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن تقدم ملموس في اتجاه التطبيع مع “إسرائيل” وأشار ولي العهد السعودي إلى أنهم يقتربون يوماً بعد يوم من تحقيق هذا التطبيع، وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن هناك دعمًا قويًا من إدارة الرئيس بايدن لتحقيق هذه الهدف، ومع ذلك، أكد أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن هناك مفاوضات مستمرة لحل هذه القضية، وأنه من الضروري مراقبة تطوراتها والسعي لإيجاد حلول مناسبة، وفي الختام، أعرب عن أمله في أن تسهم هذه الجهود في تحسين ظروف حياة الفلسطينيين وتعزيز التكامل بين الكيان وباقي دول الشرق الأوسط.

من ناحيته، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، أن هناك اتفاقًا إطاريًا قد توسطت فيه الولايات المتحدة لتأسيس علاقات بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية قد يتم توقيعه بحلول بداية العام المقبل، وجاءت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي في سياق التقدم الذي تم تحقيقه في المفاوضات شديدة التعقيد التي تجري حاليًا بين الأطراف الثلاثة، وإن تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية من الممكن أن يؤدي إلى إعادة ترسيم خريطة الشرق الأوسط من خلال دمج اثنين من الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة، وهذا الإنجاز يمكن أن يُعَدّ نجاحًا كبيرًا للسياسة الخارجية للرئيس جو بايدن، وذلك في إطار جهوده للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في نهاية عام 2024.

وعلى هذا الأساس، قد عبّر الرئيس بايدن عن تفاؤله بشأن فرص التوصل إلى اتفاق خلال محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وتمت إضافة أن السعودية ستستفيد من التطبيع مع الكيان لأن لديها “مشروع حضاري عظيم” وتعتمد على الرؤية 2030 كخطة تنموية مهمة، وتزعم أن هذا التطبيع يمكن أن يسهم في تحقيق استقرار وأمن المنطقة، إضافة إلى تعزيز التعاون بين جميع دول الشرق الأوسط.

أيضا، هناك مسار مشترك تتشارك فيه السعودية مع الهند والإمارات والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، وهو مسار البخور، الذي يمكن أن يسهم في تعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق الفوائد الاقتصادية والسياسية للمملكة، وهذا التصريح يشير إلى أن السعودية ترى في التطبيع مع تل أبيب فرصة لتعزيز موقعها الإقليمي وتعزيز اقتصادها وأمنها من خلال التعاون مع دول المنطقة وشركائها الدوليين، وإن المفاوضات التي تجري بوساطة أمريكية للوصول إلى تطبيع العلاقات بين الكيان والسعودية ليست بالأمور السهلة، حيث تعاني من تعقيدات متعددة تختفي في الأفق.

ماذا عن شروط السعودية؟

يُلاحظ أن المفاوضات جارية بين ثلاثة أطراف هي الولايات المتحدة وكيان الاحتلال والسعودية، وهناك شروط سعودية تتعلق بقضايا مثل التسليح وتخصيب اليورانيوم، بينما توجد شروط من جانب الولايات المتحدة وتل أبيب تتصل بالجانب الفلسطيني.

ويشير محللون إلى وجود اختلافات داخل “إسرائيل” بين المستوى العسكري والسياسي بشأن قضية تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، حيث يعارض المستوى العسكري هذه الفكرة، بينما يُعبّر المستوى السياسي بقيادة نتنياهو عن دعم إيجابي لها.

هذه الديناميات تعكس تعقيدات المفاوضات والأصوات المتنوعة داخل تل أبيب بشأن مسألة التطبيع والتخصيب النووي المحتمل على الأراضي السعودية، ويعتقد أيضًا أن توجيه السعودية بأسلحة أمريكية متطورة يشكل موضوعًا للخلاف بين الأطراف المشاركة في المفاوضات، حيث تطالب “إسرائيل” بأن تزود الولايات المتحدة إياها بأسلحة متطورة للحفاظ على تفوقها التكنولوجي، ومع ذلك، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي خلال مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه يمكن تجاوز هذه الخلافات، وأضاف: “أعتقد أن هناك احتمالًا كبيرًا بالتأكيد بأن نكون، خلال الربع الأول من عام 2024، أي بعد مرور أربعة أو خمسة أشهر من الآن، في مرحلة يتم فيها وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الاتفاق”.

ويمكن لهذا الجدول الزمني أن يمكن إدارة الرئيس بايدن من تجاوز فترة المراجعة في الكونغرس الأمريكي والحصول على مصادقة قبل انتخابات الرئاسة المقبلة في تشرين الثاني، ومن بين العقبات التي تعترض التوصل إلى اتفاق حتى الآن هي دعوات السعودية والولايات المتحدة للفلسطينيين لتحقيق مكاسب في إطار أي اتفاق، وهذه المكاسب تعتبر غير مقبولة بالنسبة لحكومة نتنياهو اليمينية المتشددة، لكن ما هي طبيعة هذه المكاسب وهل تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة؟، وخاصة أن السعودية لديها أهدافها وشواغلها الخاصة الداخلية والخارجية التي تسعى إلى تحقيقها من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع محتل الأراضي العربية.

ومع ذلك، لا يمكن استبعاد تأثير القضية الفلسطينية، وخاصة أن السعودية تمثل جزءًا أساسيًا وركيزة أساسية في العالم الإسلامي. وبالتالي، فإن من الصعب التأكيد بأنها قادرة على التخلي عن الضمانات أو الحدود الدنيا التي تمثلها المبادرة العربية للسلام، وبهذا يتبين أن القضية الفلسطينية تظل محورًا مهمًا في الحسابات الإقليمية والدولية وقد تؤثر على تفاصيل أي اتفاق مستقبلي بين السعودية والكيان، باعتبار أن “حالة الضعف العربي الراهنة تجعل مكاسب الفلسطينيين محدودة إلى حد بعيد”.

“إسرائيل” هي الرابح الوحيد

فيما يتعلق بتقديم تنازلات من جانب تل أبيب في سبيل تحقيق التطبيع مع السعودية، لا يعول كثيرون على أن “إسرائيل” مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة للجانب الفلسطيني في الوقت الحالي، وخاصة في ظل تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الحالية، ومن بين هذه التنازلات الكبيرة تقبل بنود المبادرة العربية للسلام، التي تشمل انسحاب “إسرائيل” إلى حدود عام 1967.

ومع ذلك، قد تكون تل أبيب قد تكون مستعدة لتقديم تنازلات اقتصادية والموافقة على نقل المناطق الفلسطينية المصنفة كـ “ج” والتي تخضع للسيطرة الإسرائيلية إلى مناطق “أ” التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، ومبادرة السلام العربية التي اقترحتها السعودية في عام 2002 كانت مبادرة مهمة تهدف إلى تحقيق سلام شامل وتطبيع كامل بين الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية و”إسرائيل” مقابل انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي العربية المحتلة في عام 1967، وقد تم تقديم هذه المبادرة بهدف تحقيق تسوية دائمة للصراع العربي – الإسرائيلي.

ومع مرور الوقت وتغير الظروف الجيوسياسية والتطورات في المنطقة، يمكن أن تكون هذه المبادرة غير قابلة للتنفيذ في شكلها الحالي، وخاصة أن كيان الاحتلال قد أحرز تقدمًا في العلاقات مع بعض الدول العربية دون الالتزام بشروط المبادرة العربية أبدا، وبالتالي، يعتبر الكثيرون أنه في الوقت الراهن، تصبح مبادرات أخرى وطرق جديدة للتفاوض وتحقيق “السلام” بما يحقق مصالح الجميع باستثناء الشعب الفلسطيني.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق