التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

التقدم العسكري التركي في العراق… الأبعاد والتداعيات 

مع حلول فصل الصيف، بدأ الجيش التركي مرةً أخرى جولةً جديدةً من الهجمات البرية والجوية على الأراضي العراقية في الأيام الأخيرة.

حيث قصفت الطائرات الحربية التركية يوم الأحد الماضي مرةً أخرى منطقةً في محافظة دهوك شمال العراق، بحجة محاربة عناصر حزب العمال الكردستاني (ب ب ك)، وذكرت وسائل الإعلام العراقية أن تركيا بهجماتها اليومية، ألحقت أضرارًا كبيرةً بالبنية التحتية والممتلكات في هذه المناطق، ما أدى إلى نزوح العديد من السكان.

بعض وسائل الإعلام العراقية أفادت بأن القصف التركي أدى إلى اندلاع حرائق كبيرة في الغابات والبساتين المحيطة، ما يشير إلى أن الوضع الإنساني في دهوك يتدهور بسرعة، وهناك حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، ووفقاً لتقرير مراقب للصراع، فإن الجيش التركي تقدّم بمقدار 15 كيلومتراً داخل عمق كردستان العراق، وأجبر مئات القرى على الإخلاء.

وذكرت صحيفة “العربي الجديد” أن العملية التركية بدأت بالقرب من “كاني ماسي” وجبل “متين” في محافظة دهوك، وقد أنشأ الجنود الأتراك نقاط تفتيش عدة بالأسلحة الثقيلة، وخاصةً بالقرب من قريتي بالاوه وبليزاني على طول الطريق الرئيسي بين منطقتي بامرني وكانى ماسي، على بعد حوالي 57 كيلومتراً شمال شرق دهوك.

وفي الشهر الماضي، أرسلت تركيا مئات الجنود والمركبات العسكرية إلى منطقة كردستان، وأقامت نقاط تفتيش ودوريات عسكرية في منطقة برواري في دهوك.

منذ فترة طويلة، تنتهك تركيا السيادة الإقليمية للعراق بحجة مكافحة عناصر حزب العمال الكردستاني، هذه المجموعة مدرجة في قائمة الإرهاب لكل من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد وصفت بغداد مرارًا الهجمات التركية على شمال العراق بأنها أعمال احتلال، ما أدى إلى إخلاء العديد من المناطق في شمال سوريا والعراق، نتيجةً للهجمات المتكررة للجيش التركي.

إقامة القواعد بهدف الاحتلال

على الرغم من التحذيرات المتكررة من قبل جماعات المقاومة وبغداد لسحب القوات العسكرية التركية، إلا أن أنقرة لم تتخذ أي خطوات للخروج من الأراضي العراقية، بل قامت في السنوات الأخيرة بإنشاء قواعد لتعزيز وجودها في هذا البلد.

وأفادت “مجتمع فرق السلام”سي بي تي”، وهي مؤسسة أمريكية مستقلة، في أحدث تقاريرها عن تقدم أكبر للجيش التركي في شمال إقليم كردستان، وإنشاء 7 قواعد عسكرية جديدة، وحذرت هذه المؤسسة من أنه في حال استمرار العمليات العسكرية التركية في أراضي الإقليم، قد يتم إخلاء أكثر من 600 قرية من سكانها.

كما أشارت “سي بي تي” إلى زيادة كبيرة في الهجمات الجوية والبرية للجيش التركي في عام 2024، وفي هذا السياق، نفّذ الجيش التركي نحو 1100 هجوم في إقليم كردستان خلال الأشهر الستة الماضية، هذا بينما نفّذت تركيا حوالي 1500 هجوم في أراضي الإقليم في عام 2023.

ووفقًا لتقرير صادر عن معهد سي بي تي، تنوي تركيا الاستيلاء على مرتفعات غارة وحفتانين في محافظة دهوك، ما سيؤدي إلى فقدان حكومة الإقليم السيطرة على أكثر من 75% من أراضي محافظة دهوك.

وقد أكدت وكالة “شفق نيوز” أيضًا تقدم تركيا في أراضي الإقليم، وإنشاء قواعد جديدة في هذه المنطقة، وأشارت الوكالة إلى أن تقدم الجيش التركي في أراضي العراق بدأ في عام 2019 بناءً على اتفاق غير رسمي بين حكومة إقليم كردستان والحكومة التركية، لكن مستوى التقدم توسّع بشكل أكبر في السنوات الأخيرة.

وحسب تقرير الوكالة، فإن ما بين 5000 و10000 جندي تركي يتمركزون في أراضي إقليم كردستان، بالإضافة إلى الآلات الثقيلة العسكرية والمدنية للجيش التركي، التي تم نقلها إلى قضاء العمادية بهدف توفير وصول الجيش التركي إلى المناطق الجغرافية الاستراتيجية والجبلية، حيث يجري إنشاء المزيد من طرق الوصول والقواعد العسكرية الجديدة.

وقال “جبار ياور” وزير البيشمركة في حكومة إقليم كردستان بين عامي 2014 و2022، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “عدد القواعد العسكرية التركية في شمال العراق نحو 80 قاعدة”، وتختلف هذه القواعد من حيث الحجم والصغر ومكان البناء في أربيل ودهوك ونينوى، على طول الحدود بين العراق وتركيا.

هذا فيما كانت سلطات الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي، قد أعلنت أن عدد قواعدها في تركيا هو 20 قاعدة قبل عامين، وهذا يظهر أن تركيا تقدمت بشكل أعمق في العراق، وليس لديها أي نية للمغادرة.

وأوضح ياور: أن “بعض القواعد العسكرية التركية تقع على عمق 10 كيلومترات، وأخرى على عمق حوالي 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية، على طول 200 كيلومتر على طول حدود البلدين، ويبلغ عدد القوات التركية في العراق ما لا يقل عن 5000 فرد، وتوجد في هذه القواعد أسلحة مختلفة، بما في ذلك المدفعية والمدرعات ومواقع هبوط طائرات الهليكوبتر والطائرات دون طيار”.

وتابع ياور: “حسب آخر المعلومات المتوافرة لدينا، أنشأت القوات التركية طرقاً بريةً جديدةً على الحدود التركية العراقية، تؤدي إلى بعض قواعدها العسكرية، وبالإضافة إلى العمليات الجوية بالطائرات أو المدفعية، فإنهم ينفّذون عمليات عسكرية برية في تلك المناطق كل يوم”.

وأوضح: “ملف الحدود وحمايتها هو مسؤولية القوات الاتحادية، لكن هناك مناطق حدودية لم تدخلها القوات العراقية بعد، بسبب الانتشار العسكري التركي ووجود عناصر حزب العمال الكردستاني، ولذلك، فإن تركيا تستغل هذه الفجوة الأمنية الكبيرة للدخول إلى العراق والخروج منه”.

ورغم هجمات تركيا الأخيرة، أفاد بعض ممثلي الحزب الديمقراطي الكردستاني، بحجة العطلة الصيفية للبرلمان العراقي، بأنه ليس لديهم معلومات كافية بهذا الشأن، ولم يعلقوا على سبب صمت أربيل والحزب الديمقراطي، كما لم يبد المسؤولون في الحكومة العراقية أي رغبة في الإدلاء بتصريحات واضحة حول موقف الحكومة المركزية بهذا الخصوص.

ويبدو أن عائلة البارزاني أبدت لامبالاة بالهجمات التركية ضد حزب العمال الكردستاني، بل غضت الطرف عنها، لأن الإقليم يحتاج لأنقرة لبيع نفطه وغازه وكسب المال، وهذه المصلحة الاقتصادية منعت أربيل من اتخاذ مواقف قوية ضد هجمات تركيا على عناصر حزب العمال الكردستاني.

وبالنظر إلى التهديدات التي وجّهها حزب العمال الكردستاني ضد جيرانه، ومهاجمة إيران وتركيا بشكل مستمر لمقرات هذه المجموعة، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يمانع في إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في الإقليم، لأنه في غياب الإرهابيين سيتم ضمان أمن هذه المنطقة، وستختفي التهديدات الخارجية أيضاً.

وخلافاً لسياسات أربيل، فإن الأوضاع مختلفة بالنسبة للحكومة المركزية، والاعتبارات الاقتصادية والسياسية لا تجعل بغداد تتخلى عن وحدة أراضيها، ولطالما طالب القادة العراقيون تركيا بالانسحاب من شمال البلاد، ويعتبرون استمرار وجود هذه القوات مخالفاً لحسن الجوار.

ومن وجهة نظر السلطات العراقية، إذا كان الهدف هو القضاء على الإرهابيين، فيجب إسناد هذه المهمة إلى القوات الاتحادية، وفي إطار التعاون الأمني ​​المشترك بين البلدين، وليس احتلال تركيا للعراق وانتهاكها للسيادة الوطنية للبلاد، وكما ورد في الاتفاقية الأمنية مع إيران والعراق، ستتخذ قوات الحكومة المركزية إجراءات أمنية للقضاء على التهديدات الإرهابية ضد الجيران.

سياسة تركيا المزدوجة تجاه جيرانها

إن الهجمات التي تشنها تركيا على العراق وسوريا بحجة مواجهة الجماعات الإرهابية، تتعارض مع سياسة الجوار التي تنتهجها هذه الدولة.

يتحدث المسؤولون في أنقرة دائمًا عن سياسة التهدئة وتحسين العلاقات مع الجيران، لكنهم في الواقع يرتكبون العكس، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح في حالة العراق وسوريا.

ومؤخراً زار أردوغان العراق ووقّع اتفاقيةً اقتصاديةً وأمنيةً مع بغداد، كان احترام وحدة أراضي العراق جزءاً من بنودها، لكن أنقرة لا تلتزم بهذه الاتفاقيات، ولا شك أن الهجمات التركية واسعة النطاق تشكل انتهاكًا لسلامة أراضي العراق، وستؤدي إلى تفاقم حالة انعدام الأمن في هذا البلد.

وبالإضافة إلى الهجمات المتكررة على العراق، نفّذت تركيا أيضًا هجمات مماثلة في شمال سوريا في العقد الماضي، وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب في سوريا علی أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، المدرج على لائحة المنظمات الإرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويزعم أردوغان أنه يسعى لاستئناف العلاقات مع الحكومة السورية، لكن من ناحية أخرى، مع انتشار القوات التركية في شمال سوريا والهجمات على الجماعات الإرهابية، فإنه يغلق الطريق أمام تطبيع العلاقات.

القوة الدفاعية لحزب العمال الكردستاني

رغم أن تركيا زعمت في العقد الماضي أنها تمكنت من تدمير العديد من مواقع وعناصر حزب العمال الكردستاني، إلا أنه يبدو أن هذه الجماعة الإرهابية جهّزت نفسها أيضًا للتعامل مع التهديدات التركية.

وفي هذا الصدد، أعلن المركز الإعلامي لقوات الدفاع الشعبي (HPG)، الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، في حزيران/يونيو، أن عناصر هذه المجموعة دمروا طائرةً مسيرةً مسلحةً تابعةً للجيش التركي في منطقة أسوس بمحافظة السليمانية.

إن حصول حزب العمال الكردستاني على دفاع جوي قوي، يظهر أن بعض الأطراف الأجنبية تدعم هذه الجماعة الإرهابية، وهناك تكهنات بأن الجماعات الكردية في شمال سوريا، بدعم من الولايات المتحدة، قد سلّمت دفاعات مضادة للطائرات إلى حزب العمال الكردستاني في العراق، حتى يتمكن من الحفاظ على معقله في هذا البلد والدفاع عن نفسه.

وبما أن الطائرات دون طيار التركية معروفة بأنها واحدة من أفضل الطائرات في العالم، فإن إسقاطها من قبل الإرهابيين، يظهر أنه من الآن فصاعداً ستواجه الطائرات دون طيار التركية صعوبةً في تدمير مقر هذه المجموعة الإرهابية في العراق، الأمر الذي سيزيد تكاليف هذا البلد.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق