التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 18, 2024

سوريا الجديدة .. انتصار دائم لأردوغان أم مؤقت؟ 

رغم أن سقوط دمشق في أيدي المعارضة أعطى مساحة أكبر لتركيا للتنفس في الداخل والخارج، إلا أن عدم وجود رؤية واضحة للمستقبل السياسي لسوريا تحت راية ألف مجموعة طائفية يمكن أن يحول سعادة أردوغان المؤقتة إلى حداد.

ومع سقوط حكومة بشار الأسد، تبدو تركيا في موقع استراتيجي يجعلها من أكبر المستفيدين من انتصار المعارضة السورية، حيث تتيح الأولويات الاستراتيجية في تأمين الحدود ومعالجة قضية طالبي اللجوء لأنقرة تحقيق مكاسب كبيرة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.

ومن الواضح أنه لا توجد دولة سعيدة مثل تركيا بالتطورات الأخيرة في سوريا، ويمكن رؤية هذا الشعور بالرضا في تصريحات كبار المسؤولين في أنقرة، لكن مستقبل هذا النصر يعتمد على قدرة تركيا على تحويل إنجازاتها في المنطقة والأمر يتوقف على ذلك، وخاصة في ظل التحديات المعقدة التي تواجه سوريا والمنطقة ككل، لا أحد يشعر هذه الأيام بالرضا أكثر من رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، الذي حقق حلمه في سوريا بعد 13 عاماً، لأنه أتيحت له فرصة استثنائية لإخراج نفسه من الأزمة السياسية والأمنية التي يعيشها.

وفي خطابه بعد سقوط دمشق، قال أردوغان: إن العصر المظلم في سوريا قد انتهى وبدأ عصر النور، وستكون تركيا مع الشعب السوري للتغلب على المشاكل، وهو الآن يجد نفسه على قمة السلطة، بعد أن نجح في جلب المعارضة إلى السلطة في سوريا، وكان ثملاً للغاية بهذا النصر لدرجة أنه ادعى أنه والرئيس الروسي هما الآن الزعيمان الحقيقيان الوحيدان في العالم.

إسكات المعارضة الداخلية

إن سبب اعتبار انتصار المعارضة السورية إنجازا مهما للحكومة التركية يرجع جزئيا إلى الموقف المهتز لأردوغان وحزب العدالة والتنمية في الداخل، وفي السنوات الأخيرة، وبسبب اتساع المشاكل الاقتصادية في تركيا وأزمة اللاجئين السوريين في هذا البلد، تعرض أردوغان لانتقادات المعارضة، إلى الحد الذي ظهرت آثاره في الانتخابات الرئاسية والبلدية الأخيرة وتمكن المنافسون من وضع أنفسهم ضد تحسين الحزب الحاكم، وبما أن حكومة أردوغان تعتبر الداعم الأكبر للمجموعات المسلحة في إدلب، فإنها تحاول استغلال هذا الوضع لمصلحتها، ووضعت أولويات لتنفيذ مخططات تركيا في سوريا.

وفي هذا الصدد كتبت صحيفة حرييت قبل عدة أيام نقلاً عن مصادر مطلعة على موقف أنقرة السياسي من التطورات في سوريا: الأولوية الأولى هي إدارة عملية انتقال السلطة في هذا البلد وإنشاء سوريا جديدة. والأولوية الثانية هي القتال ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات الدفاع الشعبي، والثالثة هي ضمان عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى وطنهم، وفيما يتعلق بعودة اللاجئين، تشير الإحصائيات إلى أن هناك نحو 3.5 ملايين سوري في تركيا، ويحاول أردوغان إعادة هؤلاء إلى بلادهم.

ومع عودة اللاجئين، يخفف حزب العدالة والتنمية عبء المشاكل الاقتصادية على حكومته لتعويض بعض الخسائر التي تكبدتها في السنوات الأخيرة، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يظهر ذلك أمام أحزاب المعارضة في الداخل كإنجاز في مجال السياسة الخارجية، وبعد الانتهاء من عودة اللاجئين، ستستخدم أحزاب المعارضة ورقة الضغط التي استخدمتها ضد اللاجئين والحكومة للتعويض عن ضعفهم وبهذا الأمر سيفقدون قبولهم الشعبي.

وفي التعامل مع الجماعات الانفصالية في شمال سوريا، والتي يعتبرها أردوغان تهديدًا لأمن ووجود تركيا، تم خلق مساحة ليتمكن بمساعدة الجماعات المسلحة من تطهير هذه المناطق من الجماعات الإرهابية التابعة لتركيا، ولهذا الغرض، بدأت المجموعات المسلحة السورية منذ البداية بمواجهة المجموعات المدعومة أمريكياً في مدينة “منبج” شرق حلب، تنفيذاً لمطالب أنقرة، وتمكنت هذه المجموعات من السيطرة على مدينة منبج الاستراتيجية بعد الصراع مع القوات الديمقراطية الكردية، وهذا الإنجاز العسكري يساعد أنقرة على تحقيق أهدافها.

إنجازات تركيا في المنطقة

وعلى الرغم من تحسن موقف حكومة أردوغان داخليا، إلا أن التحديات لا تزال قائمة على الصعيد الإقليمي، والمرحلة الجديدة قد تفتح المجال أمام ظهور تهديدات جديدة، مع دخول عدة أطراف تسعى للاستفادة من الوضع الحالي، يظهر أن تركيا تعمل على حماية إنجازاته التي ستستمر من خلال استراتيجياتها العسكرية.

إن تقييم تركيا لوجودها العسكري في سوريا يعتمد على التطورات الميدانية ووضوح الصورة النهائية لواقع سوريا، ويبدو أن أنقرة عازمة على لعب دورها في تشكيل الحكومة السورية الجديدة من خلال الاستثمار في الإنجازات الاستراتيجية وضمان الاستقرار على المدى الطويل، وتعزيزه من خلال مراعاة المتغيرات الإقليمية والدولية.

وبسبب شخصيته الطموحة، واجه أردوغان تحديات خطيرة مع دول المنطقة في العقد الأخير، لكن نتائج هذه السياسة جاءت سلبية بالنسبة لأنقرة، لدرجة أنه بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا وتعثر خططها في في سوريا، اضطرت إلى إجراء تحول 180 درجة في العلاقات، وينبغي على أنقرة تطبيع الخليج الفارسي مع الشيوخ العرب من أجل الخروج من العزلة الإقليمية، وبالنظر إلى تجربة العقدين الماضيين والتغيرات المتكررة في مواقف أردوغان في مجال السياسة الخارجية، فمن الصعب بعض الشيء التنبؤ بمستقبل خطط تركيا للتطورات في سوريا والمنطقة.

ولم يعرف بعد ما إذا كانت علاقات تركيا مع العرب، والتي سببتها التوترات الداخلية والإقليمية، ستبقى قوية أم إن تضارب مصالح أنقرة في سوريا، التي لا ترغب في تقاسم هذه اللقمة الجديدة مع الآخرين، سيؤدي إلى التوتر مع العرب الذين لديهم أيضًا عينًا لدخول قوي إلى الساحة السياسية والاقتصادية في سوريا.

ومن الواضح أن سوريا الحالية تحتاج إلى رأس المال الأجنبي لكي تنقذ نفسها من هذا الوضع من خلال إعادة بناء البنية التحتية، وتركيا وحدها لا تستطيع تحمل كل هذه النفقات، وإذا أرادت أن تتخذ الإجراء السابق في مواجهة الجهات الفاعلة في المنطقة، فإن لدغة سوريا سوف تكون عالقة في حلقها.

إحياء المشروع العثماني الجديد

إن خطة أردوغان للإمبراطورية العثمانية الجديدة للتنمية الإقليمية في أراضي العراق وسوريا، والتي تم تنفيذها من خلال تصفح الخطط العسكرية للمعارضة، لا تزال على مكتب أردوغان، وربما يدفع الوضع غير المستقر في سوريا رجال الدولة في أنقرة مرة أخرى إلى تنفيذ هذه الخطة، وإن سعادة الأحزاب القومية التركية بالتطورات التي تشهدها حلب، التي كانت تعتبر ذات يوم أهم مدينة في الإمبراطورية العثمانية بسبب موقعها الاستراتيجي، تظهر أن قادة أنقرة يسعون سراً إلى تنفيذ مخططاتهم الشريرة في شمال سوريا.

وعلى هذا الأساس تم اقتراح إنشاء منطقة عازلة يصل قطرها إلى 30 كيلومتراً، والآن أتاح ظهور الجماعات المسلحة في سوريا فرصة جيدة لأردوغان لتنفيذها إذا لزم الأمر، ورغم أن أردوغان سيبقى في السلطة حتى عام 2028 وحسب الدستور، إلا أنه لم يعد بإمكانه التسجيل كمرشح للانتخابات، وحتى قبل أن يقول إنه لا يريد المشاركة في الانتخابات المقبلة، لكن ربما التطورات في سوريا ستتغير، وستسمح بالمضي قدمًا كما يريد أردوغان، وخاصة إذا تحرك نحو الاستقرار وإعادة بناء نظام سياسي جديد، فإن المشهد السياسي في تركيا سيتغير في انتخابات 2028.

ولذلك فمن خلال إنهاء أزمة اللاجئين وإخراج الجماعات الانفصالية من حدود تركيا وإصلاح الاقتصاد وخفض التضخم، فإن أردوغان بالتأكيد سيحسن موقف أردوغان ضد المنافسين الآخرين، وحسب تصريحاته الأخيرة التي قالها جميع سياسيي البلاد إن رحيل العالم وبقائه هو وبوتين فقط، يدل على أن لديه خططًا للمستقبل السياسي.

آفاق غامضة

نهاية حكم حزب البعث وعائلة الأسد في سوريا هي بمثابة تسونامي سياسي لن يؤثر على تركيا فحسب، بل على المنطقة برمتها، ووفقاً للأجواء السائدة في سوريا، فإن أردوغان باعتباره الفائز الرئيسي في هذا المجال يمتطي حصانه حالياً، لكن بالنظر إلى الظروف الأمنية والسياسية التي تعيشها سوريا بسبب وجود مجموعات ذات أهداف متضاربة وأيديولوجيات مختلفة، فمن غير المعروف إن كانت سعادة تركيا بهذا الإنجاز ستكون دائمة أو ستكون بمثابة مسكن مؤقت لحكومة أردوغان، لأن الوضع في سوريا، حسب المحللين، في ظل غياب حكومة مركزية قد يؤدي إلى الفوضى، وهذا ليس في مصلحة أمن تركيا.

حتى الآن لم يكن أمام الجماعات المسلحة خيار سوى التعاون مع تركيا لتحقيق أهدافها، لكن الآن تغير الوضع وهم في وضع يمكنهم من تشكيل حكومة وربما يغيرون سلوكهم تجاه مؤيديهم السابقين، وهذا هو القلق الذي يخشاه قادة أنقرة، ومن ناحية أخرى، فإن تركيا، التي عقدت العزم على التعامل مع الجماعات الانفصالية، لذلك، وفقا للخبراء، فإن التدخل العسكري التركي في شمال سوريا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في سوريا، وهو الأمر الأكثر خطورة على أمن تركيا، ولذلك فإن آفاق التطورات السورية على المدى الطويل ليست إيجابية بالنسبة لتركيا.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق