شيخنا القرضاوي لا طائفية في إيران.. وهم الذين ينتظرون أفعالا لا أقوالا
ياسين جميل –
شيخنا القرضاوي، كذلك هم قوم يريدون أفعالاً لا أقوالاً، ونحن إذ نقول الحق الذي كتمناه من قبل فإننا نصدع به اليوم لأننا كرهنا الفتنة وتجنّبناها فيمن تجنّبها ونسعى إلى أن نصرف الناسَ عن الطائفية والفتنة ماإستطعنا إلى صرفهم عنهما سبيلا.
وإن فتنة العراق والشام تدمي القلب ولم نتحزّب في غمارها مع طرف دون طرف، ولكن لاخير فينا إن آثرنا الباطل بدلاً من أن نصدع بالحق حاملين هموم الأمة بمثقال جبل أُحُد مادام يأخذنا الحزن على حالها كل مأخذ.
جاء في حديثك ياشيخنا أمر التطهير الطائفي , وقد جاء في إحصائية قبل سنوات بحسب الرئيس السابق جلال طالباني أن ضحايا العنف في العراق كان تصنيفهم كالتالي: 77%من الضحايا شيعة و11% من السنة، مع التنويه إلى أن معظم ال11% أُستشهدوا بتفجيرات تنظيم القاعدة ورصاص الإحتلال.
ومن المعلوم أن أول عملية طائفية ضد الشيعة حدثت في العراق كانت في 28 سبتمبر عام 2003 وهي تفجير عربة إسعاف مفخخة أمام مرقد الإمام علي في النجف وحصدت أرواح مئات المصلين الخارجين من صلاة الجمعة من بينهم السيد محمد باقر الحكيم، وتوالت العمليات الإنتحارية والتفجيرات المفخخة ضد المساجد الشيعية والحسينيات والمراقد والمقامات والتجمعات الدينية ومجالس العزاء الحسينية ومهرجانات إحياء ذكرى عاشوراء والمناسبات المتعلقة بأهل البيت ومسيرات الجنائز والأسواق وغيرها.
وأول عملية طائفية ضد السنة في العراق حدثت في 22 فبراير عام 2006 بعد تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء بعد أن كان مراجع النجف يكبحون جماح الشيعة عن أي عملية للإنتقام أو الثأر حتى تفجّر بركان الطائفية الخامد وإنفلت زمام الأمن والأمان.
فمن الحكمة ياشيخنا القرضاوي أن كل عالم جليل وفقيه فاضل عليه أن يُخذِّل بني مذهبه عن الطائفية ما وجد إلى تخذيلهم عنها سبيلاً، لا أن يدعو الآخرين إلى ذلك، ومن بني مذهبنا كان البِداء بالطائفية والإبتداء بسفك الدماء.
وأما عن التضييق على المسلمين السنة في إيران، فهذا حديث وقفنا على بطلانه لمّا علمنا أن في تلك البلاد 23 نائباً للسنة “الشافعية والحنفية والحنابلة” في البرلمان الإيراني، وأن مستشار الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد للشؤون الدينية مولوي إسحق مدني كان سنياً، وبلغنا أن أهل السنة في إيران لهم حريتهم المذهبية ويثنون على الوضع الذي هم فيه الآن لما عانوه في عهد الشاه بسبب تعصبه القومي، ومدارسهم الدينية التي كانت قليلة في عهد الشاه أصبحت عديدة وعامرة بألوف الطلبة بعد الثورة الإسلامية.
وهناك 25 مسجد للسنة في طهران ومن أشهر تلك المساجد مسجد فراج إمامه سني شافعي ويصلي خلفه الشافعية وبعض رواده من الإمامية، وقد زار تلك المساجد وصلّى فيها الدكتور محمد سليم العوّا بنفسه الذي هو أحد رموز إتحاد علماء المسلمين الذي تترأسه ياشيخنا الجليل، وقد فنّد محمد سليم العوّا كل إدعاء بعدم وجود مساجد للسنة في طهران على قناة الجزيرة حيث أكّد وجود 25 مصلى ومسجد في طهران للسنة، و25 ألف مسجد ومصلى للسنة في كل إيران، وذكر أن هناك رخصة منحتها السلطات لبناء مسجد ضخم جداً لكنه مازال ينتظر التمويل.
وعلمنا فيما علمنا عن القوم الذين يقال عنهم في بعض أوساطنا وأروقة مجتمعنا بأنهم “صفويين ومجوس” أن دستورهم جاء فيه مانصه الآتي (وأما المذاهب الإسلامية الأخرى والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي فإنها تتمتع بإحترام كامل وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، ولهذه المذاهب الإعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية “الزواج والطلاق والإرث والوصية” وما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم).
بمعنى أن كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية فيها فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية تكون وفق ذلك المذهب مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى.
وعلمنا أن في بلاد فارس يحرم التجاوز على أي رمز إسلامي حيث قامت الدولة بإعتقال وسجن أحد مراجع الدين الشيعة الكبار يدعى آية الله الرستكاري بعد أن أصدر كتاباً هاجم فيه بعض رموز التاريخ الإسلامي واعتبره المرشد الأعلى علي خامنئي مسيئاً للوحدة الإسلامية، فشن المتطرفون الشيعة من “التيار الشيرازي” في لندن وصهره ياسر الحبيب وشلة الصبيان الذين معهم هجوماً على خامنئي ووصفوه بعمر الخامنئي ذماً له ومتهمين إياه بالترويج لأعداء أهل البيت حسب زعمهم عبر زجّه بالمرجع الشيعي الرستكاري في السجن وغضّه النظر عن الكتب “التكفيرية” في المكتبات الإيرانية.
ولمعرفة القصد بالكتب “التكفيرية” فيكفي أن تعلم أن في إيران ليس هناك منع للكتب السلفية، وأنك تستطيع أن تحصل على أي كتاب ضد التشيع وضد إيران من داخل مكتباتها، وستجد فوق رفوفها وطاولات معارضها، بل وحتى في المكتبات الإمامية كتب الشيخ إبن تيمية والإمام إبن القيم الجوزية والشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد العزيز إبن باز والشيخ محمد بن صالح إبن عثيمين رغم آراءهم المتشددة ضد من يختلف معهم إلى حد أن كتبهم منعت في دول مالكية كالمغرب وصوفية كليبيا (في عهد القذافي) وصودرت من عدة معارض للكتب في الأردن ومع هذا يمكن الحصول عليها من مكتبات إيران.
ومعاوية بن أبي سفيان رغم أن قسم من أهل السنة في شمال إفريقيا وأندونيسيا وبنغلاديش وغيرها يخطبون في بعض المساجد ضده، ورغم أن بعض السلف تناولوا معاوية بالقدح كالحسن البصري والأعمش وعلي بن الجعد والطبري وأحمد بن حنبل والنسائي والحاكم وغيرهم، وتناوله بالذم بعض المعاصرين كسيد قطب والشيخ أحمد الكبيسي والدكتور محمد المسعري والدكتور عدنان إبراهيم والشيخ حسن فرحان المالكي والداعية حسن السقاف وغيرهم، إلا أن إيران تمنع الحديث عنه سلبياً في المساجد بسبب بند في الدستور يمنع الإساءة للوحدة الإسلامية.
وكانت قناة العربية نفسها قد أذاعت خبراً قبل سنوات عن إغلاق إيران لصحيفة يومية بسبب أنها أقحمت سهواً أو عمداً إسم عمر بن الخطاب في مقال عن التاريخ الأموي وأُغلقت نهائياً رغم إعتذار الصحيفة في صفحتها الأولى دون طلب رسمي، ورغم مطالبة نواب من أهل السنة برفع الحظر عنها.
وعسى أن يكون الشيخ القرضاوي على علم بأن السلطات الإيرانية أمرت بإقالة محرر وكالة “مهر” الإيرانية قبل سنوات لأنه نشر مقالاً مضمونه “الرد على إتهامات الشيخ القرضاوي” على حد تعبيره…
فلماذا نغُضُّ الطرف عن كل ذلك؟! ومن طبّق مثل تلك القوانين الصارمة ضد من يشتمون طائفة من المسلمين ويصفونهم بمصطلح “الروافض” ليل نهار جهرةً وخفية، سراً وعلانية على المنابر والفضائيات وعشرات الصحف والمواقع ممن يحرضون على الكراهية المذهبية آناء الليل وأطراف النهار… وأود أن أُذكّر الشيخ القرضاوي أن إيران وجّهت دعوة للأزهر الشريف أكثر من مرة لبناء وإقامة فرع له في إيران ورفض نظام مبارك الفكرة.
ومما علمناه أن السنة في إيران لديهم مدارس خاصة إضافة الى حوزات علمية ومراكز دينية تُدرّس فيها مناهج التفسير والحديث والفقه والأصول مطابقة لمناهج الأزهر الشريف، وتعد جامعة دار العلوم الإسلامية في زاهدان أكبر مركز علمي وثفافي لأهل السنة في إيران.. وأُصِبتُ بالدهشة عندما علمت أن أهم حوزة علمية للبنات في زاهدان هي مدرسة عائشة الصديقة التي تدرس فيها أكثر من 700 طالبة سنية!
وكذلك عندما علمت أن من أكبر دور الطباعة والنشر والتوزيع في منطقة زاهدان هي “دار الصديق” و”دار الفاروق الأعظم”.
ومانسمعه من علماء الشيعة عندما يذكرون أبو بكر وعمر وعثمان فإنهم يقولون “الخليفة الأول والخليفة الثاني والخليفة الثالث”، وأما سب الصحابة الكرام فذلك عهدناه من تيار مجتبى الشيرازي الذي يحتفل بذكرى مقتل عمر بن الخطاب ويشمت في ذكرى موت أم المؤمنين عائشة في مهرجان يقيمه في لندن صهره ياسر الحبيب، وهذا التيار يسب مراجع الشيعة وعلمائهم، فالشيرازي يسب الخامنئي ويصفه بأنه ناصبي وبلغ الأمر إلى حد تكفيره، وكلماته المرئية تلك يعُجُّ بها موقع “اليوتيوب”، وإنسجم مع هذا التيار الشيخ الأزهري السابق حسن شحاتة الذي أصبح صديقاً لهم بعد أن عاد من إيران بسبب التضييق عليه هناك وتحذيره من النيل من رموز أي طائفة بسبب لسانه السليط على الصحابة رضي الله عنهم.
وأما عن الإقتتال الطائفي في العراق والشام ودور إيران في تلك الحرب، فليس المقام والمقال هنا يتسع للحديث عن السياسة وخفاياها وأطرافها المتآمرة على العرب والمسلمين لإشغالهم عن عدوهم الذي يحتل مقدساتهم، ولقد تحررت عقولنا التي إستعمرها بعض الإعلام الفتنوي عبر الترويج لأخبار لا ترقى في إحتمالية الصدق حتى إلى أساطير بني إسرائيل.