التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

النووي الإيراني والكيد السعودي 

د.تركي صقر

من العبث الاعتقاد أنّ من أولى اهتمامات حكام السعودية، القضاء على الإرهاب أو هزيمة «داعش» وغيره من التنظيمات المنبثقة عن «القاعدة» والتي ولدت وترعرعت عملياً في أحضانهم، حيث لا اهتمام لدى نظام آل سعود راهناً سوى تخريب أي اتفاق حول النووي الإيراني. وقد لهثت الديبلوماسية السعودية طوال الفترة الماضية وراء عواصم القرار الدولي لثنيها عن توقيع الاتفاق النووي مع طهران، وراحت تقدم في سبيل ذلك الإغراءات المختلفة. ففي باريس وعشية الجولة الأخيرة من محادثات 5+1 في فيينا، حاول وزير الخارجية سعود الفيصل ممارسة أقصى الضغوط لكي تمتنع فرنسا عن التوقيع على الاتفاق، ولوح بوقف صفقات شراء الأسلحة الفرنسية وهي بعشرات المليارات، فوضع بذلك حكومة هولاند بين المطرقة والسندان، مطرقة الغضب الأميركي وسندان خسارة صفقات هائلة يمكن أن تنعش الاقتصاد الفرنسي المتهالك.

وفي موسكو، أعاد الفيصل إغراءات بندر بن سلطان السابقة في شأن السلاح والنفط، مستغلاً العقوبات الاقتصادية الغربية والأميركية على روسيا، على خلفية الأزمة الأوكرانية. وركز الفيصل على التعاون المشترك في اجتماعات «أوبك» القادمة للحيلولة دون مزيد من تخفيض أسعار النفط، ما يمنع تدهور العملة الروسية وإحداث انهيارات في الاقتصاد الروسي وذلك مقابل أمرين اثنين: الأول، أن تخفف موسكو من حماسها وسرعة حركتها في اتجاه إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، والثاني، أن يشمل الحلّ السياسي في سورية الذي تمسك موسكو بخيوطه حالياً، تشكيل هيئة حكم انتقالي طبقاً لجنيف1، وبالتفسير السعودي.

وفي ما يوحي بأنه إخفاق للوزير السعودي، كما أخفق من قبله بندر بإغراءاته، لم يحضر الفيصل بعد محادثات أجراها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، المؤتمر الصحافي المشترك، ما يُعدّ خروجاً عن التقاليد الديبلوماسية المعروفة، وصدر بعد المحادثات موقف روسي قوي يدعو إلى إنجاح مفاوضات فيينا.

 بات معروفاً أنّ السعودية لا تريد أن تمضي المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني إلى نهايتها السعيدة، وهي تعمل جهاراً نهاراً على إفشالها، والتقى كيدها وحقدها الأسود مع العداء «الإسرائيلي» ومع الامتعاض التركي، وباتوا يعملون في السرّ والعلن تحريضاً وتشكيكاً، لعرقلة المفاوضات وزرع الألغام في طريقها. ومن الواضح أنّ هناك تحالفاً «إسرائيلياً» – سعودياً يسعى في هذا الاتجاه، وهو يمتد من الرياض إلى تل أبيب، وصولاً إلى أنقرة. فحكام السعودية ناقمون على إدارة أوباما حتى الآن، لأنها لم تنفذ عدوانها ضدّ سورية وقبلت بالتراجع عنه لقاء تدمير السلاح الكيمياوي السوري. وزاد من غضب السعودية ونقمتها، اللقاء الذي جمع الطرفين الأميركي والإيراني في عُمان لبحث الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، فهي تعتبر أنّ أي اتفاق بين الجانبين سيكون بمثابة تقوية لإيران على حساب المملكة، ما سيؤثر على انفرادها في زعامة المنطقة والعالم الإسلامي، لذلك تترقب المملكة بفارغ الصبر فشل المفاوضات الجارية أو وصولها إلى حائط مسدود.

أما النسبة إلى حكومة تل أبيب، فإنّ عداءها مزمن تجاه إيران وثورتها وملفها النووي، وهي لا تخفي معارضتها لأي اتفاق مع إيران، وقد وصل الأمر برئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو إلى القول على منبر الأمم المتحدة أنّ «داعش» وإيران وجهان لعملة واحدة، وهو لا يألو جهداً مع اللوبي الصهيوني في أميركا لتحريض أعضاء الكونغرس، ولا سيما الجمهوريون، للضغط على أوباما كي يقطع الحوار مع إيران ويعود إلى فرض مزيد من العقوبات على طهران أو التلويح بالخيارات العسكرية، بل وتوجيه ضربة لتدمير البرنامج النووي الإيراني، وفق ما يرغب ويسعى إليه نتنياهو دائماً.

أما الحكومة التركية، فلها حسابات خاصة تتعلق بالأوهام السلطانية لأردوغان الذي يتحين الفرصة لكي يتقرب من التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، عبر التدخل البري فتوافق الإدارة الأميركية مضطرة على شروطه بالانضمام إلى التحالف الدولي وفي مقدمها شرطان: الأول إقامة منطقة آمنة ومناطق حظر جوي في شمال سورية، والثاني أن تشمل ضربات التحالف قصف مواقع الجيش السوري. لذلك يرى أردوغان أنّ التوصل إلى أي اتفاق مع إيران، أو حصول أي تفاهم أميركي إيراني، قد يؤدي إلى إلغاء التحالف الدولي فكرة توجيه ضربات عسكرية إلى الجيش السوري، كما تطالب حكومة أردوغان وبعض دول الخليج.

قد لا يتم التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني في الموعد النهائي المحدّد بسبب ألغام توضع في كل مرة، وقد يتم تحديد مواعيد جديدة، لكنّ ما ظهر جلياً في هذا السياق، هو التحرك السعودي الكيدي المخرب متحالفاً مع الموقف «الإسرائيلي» المعادي. وقد بدت السعودية وتركيا وكيان العدو «الإسرائيلي» أكثر الأطراف الموتورة والمأزومة من نجاح المفاوضات النووية الإيرانية، وبات حلف مملكة آل سعود مع العدو «الإسرائيلي» مفضوحاً ومكشوفاً، ينطلق من تغذية التوتر مع إيران لأنه، وفق حساباته، يطيل من عمر العرش السعودي، ويوفر له الفرصة لتوسيع نفوذه وتكريس زعامته، ويشكل فزّاعة دائمة لجذب دول المنطقة إلى صفّه، كما يغطي بالنسبة إلى حكومة العدو، على الخطر الفعلي المتمثل في الترسانة النووية «الإسرائيلية» ويحرف الصراع في المنطقة ليكون صراعاً مذهبياً وعرقياً مع إيران، بدلاً من الكيان الصهيوني أو التنظيمات الإرهابية، وهو ما يبدو المشترك الأهم في هذا الحلف الشيطاني.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق