التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

إنها اربعين سرّ الله 

ماجد حاتمي –

يقف عقل الانسان عاجزا مرتبكا متلعثما امام ظاهرة اربعين الامام الحسين (ع) ، فهي ظاهرة تتجاوز مديات العقل ، و تتمرد على سلطان الفكر ، وتخرج عن نطاق ما هو مألوف من ظواهر انسانية ، فهي اكبر من ان تُعقلن او تُفسّر انسانيا ، وحسنا فعل العظماء من جهابذة العلم واساطين الفكر ، وقد اصابوا في ذلك كبد الحقيقية ، عندما عللوا عجزهم في فهم هذه الظاهرة المعجزة بوجود “سر الهي” ، يسري في ابعادها ويمنحها الديمومة والاستمرار على مدى 1400 عام ، رغم ان حكم العقل يفترض موت هذه الظاهرة واندثارها منذ اكثر من الف عام ، وفقا لمعطيات التاريخ.

السر الالهي الكامن في ظاهرة اربعين الامام الحسين (ع) ، هو الذي يمكن ان يفسر فقط ديمومة هذه الظاهرة ، فالعقل والمنطق والتجربة التاريخية وما نزل على اتباع ال البيت (ع) على مدى 1400 من كوارث و ويلات على يد الطواغيت ، كلها تحكم بضرورة بل بحتمية اندثار و زوال هذه الظاهرة ، كما زالت واندثرت ظواهر انسانية كبرى ومذاهب دينية و فلسفات وضعية ، وحتى شعوبا ، بسبب ظلم وجبروت الطغاة.

رغم اننا لا نقلل من الظلم الذي نزل على الاخرين من جانب الجبابرة والطغاة ، الا ان ما نزل على شيعة اهل البيت (ع) ، لا يقاس بما نزل بالاخرين ، فما يعانيه شيعة اهل البيت اليوم في كل مكان على يد المجموعات التكفيرية من امثال “داعش” و “النصرة” والقاعدة وباقي المجموعات التكفيرية الاخرى ، رغم كل بشاعتها وفظاعتها ، تعتبر قطرة في بحر مما عاناه الشيعة على يد الطواغيت والجبابرة على مدى التاريخ ، فحتى الضريح الطاهر للامام الحسين (ع) الذي يحف به اليوم  اكثر من عشرين مليون انسان من مختلف بقاع الارض بمناسبة اربعين الامام الحسين (ع) ، لم يسلم من بطش الظالمين ، فهذا الضريح سواه الطواغيت الظلمة بالارض واغرقوه بالماء اكثر من مرة ، لاخفاء اثار الجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق آل محمد (ص).

لسنا بحاجة الى ذكر امثلة او ارقام او ناتي بشواهد لكي نثبت تعطش المجموعات التكفيرية لدماء شيعة اهل البيت (ع) ، فهذا امر لم يعد خافيا ، بل انه شعار وهدف هذه المجموعات ، فهي ترفعه وتؤكد عليه  ليل نهار وبكل افتخار ، وتعتبر ذبح وقتل الشيعة تقربهم الى الله وتدخلهم الجنة ، بل ان قتل الشيعة من افضل العبادات عندهم ، وقد ارتكبوا الفظاعات ضد اتباع اهل البيت عليهم السلام منذ عام 2003 ، وقتلوا الالاف من زوار ابي عبدالله الحسين (ع) و زوار ابيه الامام علي بن ابي طالب (ع) ، ويهددون ليل نهار بغزو كربلاء المقدسة والنجف الاشرف، ويتحينون الفرص لتنفيذ تهديداتهم.

لذلك اليس من المنطقي ان يلازم الشيعة بيوتهم بمناسبة الاربعين او محرم خوفا من تهديدات المجموعات الارهابية ؟، المنطق يقول نعم ، لاسيما وافلام الذبح “الداعشية” وفظاعاتهم ضد اتباع اهل البيت (ع) تغزو الفضاء الافتراضي ، لكن الذي حدث هو العكس تماما ، فعدد الزوار طفر من اربعة  او ستة ملايين بعد عام 2003 الى عشرين مليون عام 2014 !!، لماذا؟ ، انه الحسين .. انه السر الالهي!!.

من ابعاد السر الالهي في ظاهرة اربعين الامام الحسين (ع) ، هو تجمع عشرين مليون انسان في مكان واحد ، دون ان تُباع فيه كسرة خبز بثمن ، فلا توجد في هذا المكان عملة نقدية ، فكل شيء بالمجان ودون مقابل ، عشرون مليون انسان لا يحملون معهم الا ما عليهم من ملابس ، يأتون من مختلف انحاء العراق والعالم ، يأكلون ويشربون ويتلقون الخدمات الطبية خلال مسيرتهم الطويلة الى كربلاء ، ولكن لا ينفقون قرشا واحدا. تخيل عشرين مليون انسان يجتمعون في مكان واحد  ، كيف يمكن سد نفقات كل هذا العدد الضخم من الناس دون دعم من حكومة او جهة دولية ؟، كيف تدار امورهم ؟، من الذي يدفع الانسان الميسور ان ينفق مئات الملايين من الدنانير خلال يوم او يومين عن طيب خاطر؟، لماذا في كربلاء وفي اربعينية الامام الحسين يكون الاغنياء في خدمة الفقراء ؟… انه حب الحسين .. حب الهي .

من الذي يدفع عشرين مليون انسان ليقطعوا مئات الكيلومترات بل والالاف ، سيرا على الاقدام تحت الامطار والاعاصير والبرد والصقيع؟، لماذا لم يحسبوا لتهديدات التكفيريين حسابا ؟، ما الذي يدفع العامل الذي يعمل بأجر يومي ان يترك عمله ويتجه الى كربلاء؟ من الذي يدفع المريض والعاجز والمعاق والشيخ الكبير والسيدة العجوز والطفل الصغير ، ان يترك بيته وسريره وكرسيه المتحرك وملعبه ويتجه الى كربلاء لا على متن حافلات او طائرات بل مشيا على الاقدام ؟،  من الذي يدفع الانسان الميسور ان ينفق مئات الملايين من الدنانير خلال يوم او يومين عن طيب خاطر؟، لماذا في كربلاء وفي اربعين الامام الحسين يكون الاغنياء في خدمة الفقراء ؟، اليست هذه الظاهرة معجزة ؟، اليس هناك سرا الهيا في هذه الظاهرة؟.

لم يسجل التاريخ ، الا في كربلاء وفي اربعين ابي الاحرار الامام الحسين (ع) ، ان اجتمع كل هذا العدد من البشر في وقت واحد وفي مكان واحد ، دون ان تكون وراء هذا التجمع دولة او سلطة او حزب او منظمة دولية ، فكل هؤلاء حتى لو اجتمعوا و وجهوا دعوة للناس للاجتماع لما جمعوا معشار ما جمع الحسين في كربلاء .. انه الحسين .. انه سر الله.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق