مثقفون: إننا بالحب لابالحرب نعيش
ثقافة – الرأي –
هل يحتاج الحب إلى مناسبة أو عيد لنحتفل به، أم أن الحب يخلق أعياده ومناسباته؟ لم يكن هذا سؤالي لضيوفي الذين أشركتهم في هذا الموضوع، ولكنه تساؤل يلح عليّ ويحرف القلم عن البدء بكلمات تعودنا عليها لوصف الحب (إذا أحببت بوسعك أن تفعل كل شيء، كما يقول ” تشيخوف”.. أن تلامس السماء أو تستحيل لونا جميلاً يضاف إلى ألوان قوس قزح..) إلى مستهل تقف خلفه أسئلة عديدة أساسها إنساني واجتماعي..
الحب بمفهومه العام ثقافة، ونحن أحوج ما نكون إلى إشاعة ثقافة الحب عن طريق المناسبات الثقافية والاجتماعية. لا يحتاج الحب الى مناسبة، ولكن إشاعته وتنظيمه يحتاجان إلى مناسبة كعيد الحب.. هكذا تبتدع دول العام المناسبات لترسيخ قيم ومظاهر وأسلوب عيش يكتنز السعادة والحب. استطلعت ثقافية “الصباح” آراء عدد من الفنانين والمثقفين عن الحب، كيف ينظرون له ويعبرون عنه؟
نصفنا الآخر
يقول التشكيلي كريم سعدون: “هي الخفقة الأولى للقلب، وجوهر الحب، ونصفنا الآخر كما يحلو لنا أن ندعوه. شخصيا ليس لي سوى أن أجمع بين مكملين أحدهما ينافس الآخر- المرأة والفن – فالمرأة الحبيبة تشترك في خلق جو دافع للإنجاز ولنوعيته، والوصول إلى حافاته القصوى، إلى لذة الإنجاز التي لا يمكن تحقيقها من دون أن تكون (المرأة) موجودة، إذ تمنح ظلالها لتمرعلى ما يمكن أن ننتجه. أشعر بهيمنتها في كل أعمالي، إذ تمنح اللون والشكل قيما مضافة، وتحمل اللون طاقة أخرى غير طاقته المادية المتعارف عليها”. أدعو أن نشرع صدورنا لسهام “كيوبيد”، فالحب سيمنحنا هدوءا وطمأنينة وسيشعر الجميع بفيض السلام. ربط الشاعر ابراهيم الخياط الحب بالحياة، ووجوده يعني أن الإنسان حي، حي الضمير والقلب والعقل، في وداد مع الناس، وحين تختلط عليه المفاهيم يدمج -غالباً- بين العطف والشفقة والمحبة في ظنه أن هذه هي معاني الحب، وبشكل عام نجد الإنسان يسكب عصارة تجاربه في خزنة ابنه لأنه يحبّه- هكذا يقول- بينما تصرفه هذا هو يحدّ من الحب. عند الشاعر- إن كان له عندٌ- يشتعل الحب بين الحبيبة والحرية، الحبيبة والقصيدة، الحبيبة والدنيا، وبالأخص الدنيا التي يحلم، وليست التي يعيش، فتكون الحبيبة،عند جواد سليم بلا رجلين، وهذه أمنية الشاعر وروحه، وليست تخيلات لحبيبته، وتحضر الحبيبة في كل حين، بل في أسوأ الأحايين، فهذا عنترة لا يراها ولا يتذكرها الا والرماح نواهل وبيض الهند تقطر من دمه، فيود تقبيل السيوف – ياللعجب- لأنها لمعت كبارق ثغر عبلة المتبسم.
حافز للإبداع
عاد جبار الجنابي (متخصص بالفنون التفاعلية) بالذاكرة إلى معهد الفنون الجميلة، لأحد دروس علم النفس، عندما أشارت الأستاذة إلى اتفاق الفلاسفة بأن الحب شيء مكتسب وليس طبيعيا.. يقول ثرت في وقتها، متسائلاً: بماذا نعلل محافظة الحيوانات على بعضها البعض (إدامة الحياة) والتزاوج بين أصنافها المختلفة؟ أؤمن بأن الحب شيء طبيعي، غير مكتسب لكنه ليس غريزيا، فالغريزة تحرض على الامتلاك، وهذا خلاف مفهوم الحب.. الحب من الأشياء العصية على فهم الإنسان لنفسه، عليه أن يتجرد من غرائز التملك ويتجه للحب، وهو شعور كوني، له علاقة بعلم الرياضيات، لذا من الصعب الانتماء له أو التفاعل معه، يجب أن نحترف التخفي لنصل للإحساس النقي للحب.. أجد من غير اليسير على الإنسان الضعيف أن يفسر هذا الحس الذي يقربنا من الصورة الكلية للكون.. أنظر للحب بهذه الطريقة، هناك مغناطيسية مشابهة لمغناطيسية الكواكب، تشدنا لبعضنا البعض، وعلينا أن نختار التوقيت والمكان المناسبين لقول كلمة “أحبك”، لتكون صادقة وجميلة.. صعب علي أن أقطع وردة وأقدمها لحبيبتي، قد تفرح، لكن الوردة ستكون حزينة، الأجمل أن أحضرها إلى حديقة، ونستمتع كلانا بالورود.
يرى التشكيلي شداد عبد القهار أن الحب ديمومة للإنسان.. قائلاً: “لا يمكن أن أتخيل نفسي من دون حب.. الحياة بمفهومها العام حب، وبدونه تنتهي الإنسانية، كل أعمالي محملة بالعاطفة المباشرة، والحب هو الحافز الرئيس لي، إذا ما قرأت لوحاتي ستجد أن مرجعيتها العاطفة والحب.. وبعيدا عن مفهوم الحب المباشر، قد يكون تكرار ثيمة معينة في العمل أحد أوجه الحب.. يجب أن يكون لديك وازع يمدك بطاقة للتحرك باتجاه العمل والحب هو الوازع الذي يجعلك تترجم هذه الاختلاجات إلى عمل فني.. كل لوحاتي لها علاقة بوضع نفسي معين أو ترجمة لحالات مختلفة، لذا تصلح أن تُهدى لمن أحب.
أنا أحب.. إذن أنا موجود
نكتشف كل يوم أننا بحاجة للحب بمعناه الجمالي والأخلاقي والإنساني، يقول الناقد علي حسن الفواز: “يحفزنا الحب دائما على الحوار، وأن نرى الآخر بعيون أكثر إضاءة، عندما أختار العالم يوما للحب ربما أراد أن يجعل منه يوما للتطهير والغفران والتسامح، لكي نعيد فكرة الالتحام الإنساني مع الآخر، هذا الحب يمكن أن يكون فاعلا في كل مجالات الحياة، لأنه محفز للإبداع والتأمل، شخصيا لا يمكن أن أكتب قصيدة إلا في لحظة حب، أو أفكر بشكل صاف وواضح إلا في لحظة حب”.
أدعو في مثل هذا اليوم إلى تطهير العالم من الخبث والحروب والدمار.. علينا خلق بيئة عاشقة وفيروزات تزقزق في الصباح.. العالم صالح للمحبة وعلينا أن نكثر من صناعة الحب.
وجد الممثل والمخرج جمال أمين، اننا بالحب لا بالحرب نعيش، قد تصلح هذه الجملة كشعار، لكنها الشيء الوحيد الذي نستطيع من خلاله قبول الآخر.
مضيفا، أدعو أن نحتفل بالحب أياما وأسابيع وليس يوما واحدا، كما أتمنى أن تنتج برامج وأفلام تشيع الحب بين الناس، وأن نعمل على وجود مؤسسة، بل وزارة للحب تقوم بتدريسه وتعليمه، فكثرة الحروب الدائرة في العراق ومنطقة الشرق الأوسط جعلت الناس تختلف وتتخاصم وتكره بعضها البعض، وهذا العيد فرصة لجعل الحب فوق الذات والقومية والمناطقية وفرصة كي ننصهر مع الآخر بلغة عشق إنسانية وليكن شعارنا: “أنا أحب.. إذن أنا موجود”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق